الجمعة 18 أكتوبر 2024 م - 14 ربيع الثاني 1446 هـ
أخبار عاجلة

لواعج الشكوى

لواعج الشكوى
الثلاثاء - 23 يوليو 2024 05:24 م

محمد الكندي

50

من الملاحظ أنَّ الظَّاهرة السَّائدة في مُجتمعنا هذه الأيَّام هي كثرة الشكوى بَيْنَ النَّاس في جلسات الدردشة وعلى صفحات التواصل الاجتماعي.. حتَّى أنَّ البعض أصبحَ يتضايق من هؤلاء الَّذين تضجُّ حياتُهم بالشَّكوى من كُلِّ شيء فأصبحوا مصدرًا للكآبة أو المصطلح الشَّائع الَّذي يتردَّد هذه الأيَّام «مصدرًا للطَّاقة السلبيَّة».

الصَّوت الطَّاغي على كُلِّ الأصوات في هذه الأيَّام يُمكِنُ اختزاله بكلماتٍ مفادها: (ألا شيء يَسير بشكلٍ جيِّد في هذا البلد؟). لذا تجدنا نعيش دومًا في حالة عدم الرضا في جميع الأمور.. فنحن متذمِّرون شاكون من كُلِّ شيء، ودائمًا ما يكُونُ غيرنا على خطأ، ونحن على صواب حتَّى صرنا نُنعَت بأنَّنا مُجتمع لا يعرف إلَّا ثقافة الشَّكوى والتذمُّر.

هنا في هذه الزاوية نتحدَّث بشكلٍ خاصٍّ عن أولئك الَّذين صارت الشَّكوى لدَيْهم منهج حياة.. يُمْسون ويُصْبحون على ترديد آهات النفور من كُلِّ ما يُحيط بِهم، وذلك بالرغم من أنَّ أحوالهم مستقرَّة.. وليس في حياتهم ما يدعو إلى التذمُّر والشَّكوى، ولكنَّهم اتَّخذوا من الشَّكوى والبكاء مسلكًا يتَّبعونه في كُلِّ ما يتعاطون معه حتَّى لكأنَّهم كما ولدوا بكاةً يظلون طوال حياتهم شكاةً إلى أن يغادروا مسرح هذه الدُّنيا.

الشَّاكُون والمتذمِّرون عادةً يتوقف جهدهم عند إطلاق صرخات التذمُّر والاعتراض، ولكنَّهم ما أن يطلبَ من أحَدهم إحداث تغيير في واقع الحال، أو التقدُّم بمقترحٍ يؤدِّي إلى تطويره، أو على الأقلِّ تلافي القصور فيه، تجد ألْسنَتَهم الطويلة قدِ ارتدَّت على قفاها ولم تَعُدْ تنطق البتَّة.

حقيقة الأمْر هو عَلَيْنا أيضًا أن نتفهمَ مواقفهم، وأن نحاولَ جاهدين في مساعدتهم بأن نكُونَ لَهُمُ السَّنَد الحقيقي، وأن نخرجَهم من دائرة ((الشكوى)) الَّتي دخلوها رغمًا عَنْهم حتَّى أدمنوها.. لربَّما الغالبيَّة مِنْهم لم يكُونُوا من سعداء الحظِّ الَّذين أعطتهم الحياة فرصةً لاختيار تفاصيل حياتهم كما يريدونها.. ولربَّما الغالبيَّة مِنْهم أيضًا ـ رغم أنَّهم قد وصلوا للعَقْدِ الثالث والرابع من عمرهم ـ لم يكتشفوا بعد هواياتهم المفضَّلة، ولم يدركوا حتَّى الآن ما الَّذي يودُّون تحقيقه من نجاحات، وتركوا أنْفُسهم لتأخذَهم دوَّامة الحياة وتذهبَ بِهم كما تشاء دُونَ تدخُّل، ودُونَ إبداء أيِّ اعتراض من جانبهم.

حتَّى سعداء الحظِّ الَّذين نجحوا في الفوز ببعض فرص الحياة، فالكثير مِنْهم لم يخْتَرْ لِنَفْسِه مِنْها شيئًا، بل الحياة هي الَّتي فرَضت عَلَيْه كُلَّ اختياراته، وصوَّرت له أنَّه هو الَّذي يختار لِنَفْسِه وبكامل إرادته.. فدرَسَ في إحدى كليَّات القمَّة، وعمل بشركةٍ مرموقة، وتزوَّج ((جوازة لقطة)) تبعًا لعُرفِ المُجتمع لا تبعًا لرغبتِه هو.

السؤال الَّذي يطرح نَفْسَه: هل من سبيل لإيقاف زحف ثقافة الشَّكوى والتذمُّر..؟؟ هناك الكثير يُمكِنُ عمله... نحن كأفراد بحاجةٍ دائمة لسلوكيَّاتنا حيث يُمكِنُنا أن نُحدِثَ انقلابًا أبيض في طريقةِ تفكيرِنا ونظرتِنا لذواتِنا والأمور المحيطة بِنا، وأن نعملَ بدلًا من التَّشاكي والتَّباكي على إحداث تغيير نَوْعي في واقعنا الَّذي نمرُّ فيه. نحن أيضًا بحاجةٍ إلى التخلِّي عن النظرة السلبيَّة السوداويَّة، والنَّظر إلى الأمور من زاوية أنَّ هناك الكثير من الحُسن بجانب السيِّئ... ومن هنا فالتَّفكير السَّلبي يجِبُ أن يتحوَّلَ إلى تفكير إيجابي؛ لأنَّه يمنحنا القوَّة، والإصرار على تحويل الجانب المُظلِم إلى واقع مُشرِق وبرَّاق... ويجعلنا في الوقت نَفْسِه رافضين للفشلِ والهزيمة للشعور بالسلبيَّة.

كما أنَّنا أيضًا يجِبُ أن نعرفَ ماذا نريد...؟ وأن نحدِّدَ أهدافنا الَّتي نحن بحاجةٍ إلى التركيز عَلَيْها في محاولةٍ مِنَّا لتحقيقِها على أرض الواقع، وعدم التوقُّف طويلًا عند الأمور الَّتي لم نتمكَّن من تحقيقِها. نحن أيضًا يجِبُ أن تكُونَ ذواتُنا منطلقَ التغيير، وليس العكس. ويجِبُ أن تكُونَ الانطلاقة بالسَّعي نَحْوَ تغيير أنْفُسِنا أوَّلًا وقَبل كُلِّ شيء.

وفي الختام، على المرء أن يتذكَّرَ أنَّ بواعثَ الخير موجودة في كُلِّ زمان ومكان، كما هو توافر أسباب الطمأنينة في كُلِّ الأحيان.. فما الدَّاعي لتبنِّي الشَّكوى أو التذمُّر كمنهجِ حياةٍ يزيد من تعاستِنا وشقائِنا؟

اللَّهُمَّ احفَظْ بلادنا وبلاد المُسلِمين من شرِّ الأشرار وكَيْدِ الفجَّار.. اللَّهُمَّ احفَظْ بلادنا من عبَثِ العابثين وكَيْدِ الكائدين وعدوانِ المُعتدِين.

محمد الكندي

 كاتب عماني