الأربعاء 06 أغسطس 2025 م - 12 صفر 1447 هـ
أخبار عاجلة

الخطاط والفنان التشكيلي السوري خالد الساعي لـ « الوطن»:

الأربعاء - 17 يوليو 2024 06:58 م
30

اشتغال الفنان على الحرف العربي يمثل تجسيدا عميقا لهويته الثقافية العربية

حاوره ـ وحيد تاجا:

الفنان التشكيلي والخطاط السوري خالد الساعي من الأسماء الهامة في ساحة الفن التشكيلي عربيا وعالمياً، أقام مايزيد عن 35 معرضاً فردياً، فضلًا عن 20 جدارية كبرى في عدد من المدن العربية والأجنبية، أعماله مقتناة من كبرى المتاحف في العالم وحاز على العديد من الجوائز.

التقيناه بمناسبة معرضه الأخير (كتبت لكن بماء) الذي اقامه في طرابلس لبنان بمناسبة اختيار ( طرابلس عاصمة للثقافة العربية).

هل يمكن الحديث عن البدايات ولماذا اخترت الخط العربي مع انك درست الفن التشكيلي ؟

البدايات ولع وفضول في الفن عموماً منذ الطفولة، حيث نشأت في عائلة أدبية وفنية، فكان للمحيط العائلي تأثير مباشر. كنت متوزعاً بين شغف وحرية الرسم بالفحم والألوان وبين جاذبية أشكال الحروف في الخط العربي وسحرها وغناها. فكنت أقوم برسم الحروف على أنها أشكال فنية بحتة دون معرفة ماهيتها، وأحيانا أتحول إلى الرسم فأرسم خيولاً طيوراً و فرسان، وبعدها تحولت إلى رسم مناظر طبيعية من الفرات. وعندما كبرت قليلاً وازداد الوعي صرت استمتع أكثر بحوارات الفن العائلية، حيث كانت لنا جلسات ونقاشات في الأدب والفن في البيت تتخللها قراءات وورشات فن. بشكل دوري ولعله كان جواً فريداً واستثنائياً.

ولماذا اخترت تركيا تحديداً لدراسة الخط وما الذي يميزها عن غيرها ؟

اخترت تركيا لِما تتمتع به من إرثٍ عريقٍ يمتد عبرَ قرونٍ من الزمن، يعود إلى عهدِ الإمبراطوريةِ العثمانيةِ، وتعد تركيا مركزًا أصيلًا لتعليمِ فنِّ الخطِّ العربيِّ، حيث توارث هذه الحرفة جيل بعد جيلٍ، وذلك ضمنَ أطرٍ مدرسيةٍ عريقةٍ لا مثيلَ لها في أيِّ بلدٍ عربيٍّ آخر.

وتزخر تركيا بِالعديدِ من الآثارِ الخطيةِ النادرةِ التي تمثّل مراجعَ غنيةً ودرَرًا ثمينةً لِلطلابِ الدارسينَ. كما تقام في تركيا معارض الخطِّ العربيِّ بشكلٍ دوريٍّ، ممّا يتيح للطلابِ فرصةَ الاطلاعِ على أحدثِ الإبداعاتِ في هذا المجالِ والتواصلِ مع كبارِ الخطاطينَ من مختلفِ أنحاءِ العالمِ.

ماذا عن مشاركتك الحالية في فعالية ( طرابلس عاصمة الثقافة العربية ) ؟

شاركت في الفعالية من خلال معرض فردي ، تحت عنوان ( كتبت لكن بماء) وهو من قصيدة (اعطني الناي) للشاعر اللبناني جبران خليل جبران.

ويجمع المعرض بين الشعر والفن البصري، ويضم لوحات تجسّد أشعارًا مستوحاة من شعراء لبنانيين وعرب، مع تركيز خاص على شعراء لبنان مثل جبران خليل جبران، إيليا أبو ماضي، وأنسي الحاج، وسعيد عقل ، إضافة إلى المتنبي ومحمود درويش لما لهما من تأثير شخصي عميق.

بالإضافة إلى المعرض، كان هناك إنجاز جدارية «طرابلس التنوع والأمل والمحبة « (2 /‏ 4 م ) «. وهي هي رسالة حبٍّ ووفاءٍ لمدينةٍ عريقةٍ عاشتْ حضاراتٍ وتاريخًا حافلًا بالإبداعِ والعطاءِ. وتجسّد معالمَ طرابلسَ المعماريةَ والتاريخيةَ، وتخلّد أسماءَ شعرائها وكتّابها وفنانيها. فهي رحلةٌ عبرَ الزمنِ تعيد إحياءَ الماضي وتحاكي الحاضرَ وتلهم المستقبلَ.

كيف تصف تجربة الكتابة امام الجمهور، وكم استغرق رسم الجدارية ؟

إن الرسم أو إنجاز العمل الفني أمام الناس مباشرة، مثل الوقوف على المسرح، تحصل فيها مفاجآت وانزياحات كثيرة وحتى أن الفنان لايمكنه توقع النتيجة النهائية، فهي تخضع للتحاور مع نبض الحضور وبالتالي هناك مساحة للارتجالات و التغيرات في العمل يحددها مستوى التفاعل وهي بدورها تضيف الكثير للمتلقي الحاضر وللفنان نفسه فقد انجزت تلك الجدارية بثلاثة ايام، وقد لازمني الحضور كل تلك الفترة، وشهدوا على التطور اللحظي ونضوج الجدارية خطوة بخطوة، وهنا تكمن الإفادة، حيث حضر عدد من طلبة الفنون وبعض الفنانين في مقتبل تجربة الفن كما حضر و راقب عدد من الفنانين المرموقين أصحاب التجارب الفذة.

تستوقفني أسماء أعمالك (صمت اللغات، ربيع الثورات، ذئاب الشنفري، جدارية العين، جمرات الثلج، سفينة نوح).. كيف تختار الاسم؟ وما دلالاته بالنسبة إليك؟

تنبع عناوين أعمالي من جوهر كل عمل فني، حيث تجسّد كل جدارية موضوعًا محددًا، على سبيل المثال، جدارية (ذئاب الشنفري) مستوحاة من قصة الشاعر العربي الشنفري مع الذئب، بينما تعكس جدارية (جمرات الثلج) إضاءات على أشعار شعراء سويديين. وتمثّل عناوين أعمالي بواباتٍ لفهم مضمونها ، فعلى سبيل المثال، يشير عنوان (صمت اللغات) إلى عجز اللغة عن التعبير عن بعض المشاعر والأفكار، بينما يجسّد عنوان (سفينة نوح) رمزًا للأمل والبقاء في مواجهة الكوارث.

اعتمدت خط ثلث جلي و نسخ في جدارية طرابلس في حين ذهبت إلى الخط الديواني الجلي في جدارية (صمت اللغات) وإلى خط الثلث في (جدارية العين)والسؤال ما الذي يحدد نوع الخط في العمل؟

لا يقتصر اختيار الخطوط في أعمالي الفنية على مجرد قواعد جمالية، بل يتّخذ بعدًا دلاليًا عميقًا يساهم في تجسيد المعنى المراد إيصاله، ففي جدارية (صمت اللغات)، اعتمدت خط الديواني الجلي لخلق شعور بالحركة والانسياب، انسجامًا مع معنى صمت اللغة وعجزها عن التعبير عن بعض المشاعر.

أما في (جدارية العين)، فقد اتجهت نحو خط الثلث لجماله وقدرته على التعبير عن المعاني المتعددة لحرف العين، فلكل حالةٍ من حالات كتابة حرف العين في خط الثلث مدلولها الخاص، ممّا أتاح لي خلق تواردٍ بصريٍّ مدهشٍ بين كل بيتٍ شعريٍّ ونوع حرف العين المستخدم، يجسّد هذا الاختيار الدقيق للخطوط رحلةً عبر جماليات التعبير، حيث تصبح الخطوط بحدّ ذاتها حاملةً للمعنى ومعبّرةً عن المشاعر والأفكار. فلكل خطٍّ شخصيته وخصوصيته، ممّا يثري العمل الفني ويضفي عليه أبعادًا جديدة.

أيضاً في جدارية ( سوريا حديقة التاريخ ) اعتمدت على الصور والكولاج .. في حين انك لجأت إلى الخط فقط في ( صمت اللغات). ما الذي يحدد نوع التقنية ؟

يعتمد اختيار تقنيات التعبير على طبيعة العمل الفني وهدفه. ففي جدارية (سوريا حديقة التاريخ)، كانت الصور والكولاج ضرورية لتوثيق الأحداث والأماكن، بينما كان الحرف العربي كافياً للتعبير عن صمت اللغة في جدارية (صمت اللغات).

الخطاط والفنان التشكيلي السوري خالد الساعي لـ « الوطن»:
الخطاط والفنان التشكيلي السوري خالد الساعي لـ « الوطن»: