الجمعة 18 أكتوبر 2024 م - 14 ربيع الثاني 1446 هـ
أخبار عاجلة

بعض التطبيقات الحكمية فـي المقاصد الشرعية

الأربعاء - 17 يوليو 2024 06:11 م
10

لقد وضحت السيدة عائشة (رَضِيَ اللهُ عَنهَا) الحكمة من التدرج في التشريع القرآنيِّ قائلة: (إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ سُورَةٌ مِنَ الْمُفَصَّلِ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الإِسْلاَمِ نَزَلَ الْحَلاَلُ وَالْحَرَامُ، وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ: لاَ تَشْرَبُوا الْخَمْرَ، لَقَالُوا: لاَ نَدَعُ الْخَمْرَ أَبَدًا، وَلَوْ نَزَلَ: لاَ تَزْنُوا، لَقَالُوا: لاَ نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا) (البخاري).

وإليكم بعض الأمثلة التطبيقية: (القواعد الفقهية بين التأصيل والتطبيق، بحوث ندوة تطور العلوم الفقهية في عمان خلال القرن الرابع الهجري، وزارة الأوقاف والشؤون الدينية سلطنة عمان): أولاً: الحكمة من تحريم احتكار المشروب هي خوف الضرر محافظة على النفس الإنسانية، من الوقوع في الهلاك، وهذه النظرة المقاصدية اعتمدت على أدلة كثيرة من الكتاب العزيز، كقوله تعالى: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق..) (الإسراء ـ 33)، وقوله عز وجل: (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها) وقوله:(ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة).. إلى غير ذلك من الآيات التي تنفي على هذا المقصد الشرعي الأصيل مراعاة لحق النفس في الحياة والسلامة والكرامة، فإزهاقها دون مبرر فيه مناقضة صريحة لتكريم الله لها، ومضادة بّينة للبعد المقصدي، والهدف الشرعي بإيجاب المحافظة على النفس البشرية، أما الأحاديث النبوية المعززة لاعتبار هذا المقصد فأكثر من أن تحصى لعل من أبرزها قوله (عليه الصلاة والسلام):(أكبر الكبائر الإشراك بالله، وقتل النفس..)، فالمنع من التبذير، والحجر على المبذر كل منهما حكم شرعي ثبت في الكتاب العزيز، فالله عز وجل يقول:(ولا تبذر تبذيرا، إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين، وكان الشيطان لربه كفورا)، وثانيًا: يقول عز وجل:(ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما)، والحكمة من مشروعية الحجر هو المحافظة على الأموال لأنها خلقت للانتفاع بها، فنهت الآية الكريمة عن إعطاء السفهاء الأموال حتى لا يعرضونها للضياع بسوء تصرفهم، وثالثًا: الحكمة من النهي عن بيع المرء على بيع أخيه الوارد في الحديث الشريف:(لا يبع بعضكم على بيع بعض..)، هي خشية وقوع الضرر والقاعدة:(لا ضرر ولا ضرار في الإسلام)، ورابعًا: الحكمة من مشروعية الشفعة هي دفع الضرر، قال أبو سعيد:(.. إنما أصل ما جعل له الشفعة بما يدخل عليه من الضرر، وكان ضرر المقاسمة وما يتولد من ذلك في الشركة في المشاع أولى أو أشد من جميع الضرر، وكان هذا أولى بالشفعة، فهي ثابتة لا نعلم اختلافا فيها). وهاكم من الأمثلة على التعليل بالحكمة المنضبطة والتي استدل بها جمهور الأصوليين، من القرآن والسنة وأقوال الصحابة؛ فمن القرآن الكريم:(خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا) (التوبة ـ 103)، و(وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) (الأنفال ـ 60)، و(مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ) (الحشر ـ 7)، ومن السنّة أحاديث كثيرة منها:(إنكم إن فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم)، و(أخشى أن يتحدث الناس أنّ محمدا يقتل أصحابه)، و(انظر إليها فإنّه أحرى أن يؤدَم بينكما)، ومن أقوال الصحابة أيضا كثيرة منها: قول عمر لحذيفة بن اليمان:(إني أخاف أن يقتدي بك المسلمون فيختاروا نساء أهل الذمة لجمالهن وكفى بذلك فتنة لنساء المسلمين).

سامي السيابي

 كاتب عماني

(فريق ولاية بدبد الخيري)