الأحد 08 سبتمبر 2024 م - 4 ربيع الأول 1446 هـ
أخبار عاجلة

فتاوى وأحكام

فتاوى وأحكام
الأربعاء - 10 يوليو 2024 05:47 م
30

ما رأيكم سماحة الشيخ في العتاب الذي يُوجّه بشدة إلى من لا يعتني بالعام الهجري وأشهره لأن مجريات يومه وشهره وعامه تقاس بالتوقيت الميلادي فهو لا يجد في حياته أو في حركته اليومية ما يربطه بالشهر الهجري، فهل مثل هذا العتاب في محله على من لا يعتني بالتاريخ الهجري؟

بطبيعة الحال أولاً علينا أن ندرك أن كل أمة لا تعتز بتاريخها هي أمة ضائعة، فمن لم يكن له ماضٍ فليس له حاضر، والحاضر إنما يُبنى على الماضي، وأي ماضي أولى بأن يبنى عليه الحاضر من الماضي الذي كان في عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) وفي عهد المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان. على أن التاريخ الآخر كان موجوداً من قبل ولم يكن المسلمون في عمى من أمرهم بحيث ما كانوا عارفين به، إذ كانوا على اتصال بدولة الروم وكانوا يعرفون هذا التاريخ، ولكن مع ذلك ما عوّلوا على التاريخ الآخر وإنما عوّلوا على التاريخ الهجري، وارتبطوا بهذا التاريخ الهجري، وبجانب هذا فإن هناك اختلافًا ما بين التاريخين في مدارهما، ذلك لأن التاريخ الميلادي إنما يدون بدوران الأشهر الشمسية، والتاريخ الهجري يدور بدوران الأشهر القمرية.

وقد بيّن الله سبحانه وتعالى أن الأشهر القمرية هي مدار الأحكام الشرعية، فقد قال تعالى:(يَسْأَلونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجّ) (البقرة ـ الآية 189)، ثم بجانب ذلك بيّن سبحانه وتعالى ارتباط هذه الأشهر أي القمرية بصميم الدين الحنيف في قوله سبحانه وتعالى:(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) (التوبة ـ الآية 36)، فجعل هذا من صميم الدين القيم، مع أن الأشهر الحرم لا توجد إلا في الأشهر القمرية، كذلك نجد أن الأحكام الشرعية كلها تناط بهذه الأشهر القمرية، فالحج إنما يكون بالشهور القمرية، كذلك عِدَد النساء إنما هي بالشهور القمرية، الصيام إنما هو بشهر من الشهور القمرية، الزكاة يجب دفعها بدوران اثني عشر شهراً من الأشهر القمرية، كذلك بالنسبة إلى بقية الأحكام جميعًا، فلماذا إذن يُعرض المسلمون عن التمسك بهذا التاريخ الذي كان به ميلاد أمتهم، وكان به ميلاد دولتهم، وكان به ميلاد جماعتهم، ويستمسكوا بالآخر، ونحن نجد أن الصحابة فمن بعدهم إلى مضي ثلاثة عشر قرنًا كانوا مُجمعين على التاريخ الهجري، فإذن معنى هذا أن الخَلَف عليه أن يحذوا حذو السلف، فلماذا يعرض السلف عن منهاج السلف وقد كان هذا منهاج السلف الصالح؟؟

فإذن العتاب موجه إلى الأمة من هذه الناحية ولا سيما الأفراد، فإن الإنسان يستطيع أن يؤرخ قضاياه بالتاريخ الهجري لا سيما مثل تراجم العلماء، فما الداعي لأن تكون تراجم العلماء بالتاريخ الآخر مع أنه يُعرف التاريخ الهجري، ونحن نجد حتى العلماء الماضيين عندما يُؤرَخ لهم الآن ويُترجَم لهم يحاولون أن يحوروا التاريخ ليتلاءم مع التاريخ الآخر غير التاريخ الهجري، وأولئك العلماء مضوا ولا يُعرف عندهم إلا التاريخ الهجري، فما الداعي إلى ذلك!، إن هذه هزيمة نفسية، وهذه ارتكاسة والعياذ بالله، فعلى الأمة أن تنتشل نفسها من هذه الارتكاسة.

هل كانت الهجرة أمرًا ربانيًا أو كانت بدافع وجود متنفس للدعوة الإسلامية بعد أن ضاقت في مكة المكرمة؟

الهجرة لم تكن اجتهادًا من الرسول عليه وعلى آله وصحبه (أفضل الصلاة والسلام)، وإنما كانت هذه الهجرة أمراً من قِبل الله سبحانه وتعالى، أراد الله تعالى به أن تتربى هذه الأمة على الخير، أراد أن يربيها على التضحية، وأن يربيها على الوئام والمودة، وأن يربيها على الاستعلاء عن كل الجواذب إلى الأرض بحيث ترتفع إلى قيم السماء هكذا كانت الهجرة.

وهيأ الله سبحانه وتعالى الظروف التي دفعت المسلمين إلى الهجرة مع كونه أمرهم بها عندما وقعت هذه الظروف وتم ذلك على يدي الرسول (صلى الله عليه وسلّم) والمؤمنين فأنشئت الدولة الإسلامية في ظل هذه الهجرة النبوية إذ كانت المدينة المنورة هي مركز هذه الدولة الناشئة الجديدة ومنها انطلقت إلى أرجاء الأرض.

يجيب عن أسئلتكم

سماحة الشيخ العلامة

أحمد بن حمد الخليلي

المفتي العام للسلطنة