الجمعة 18 أكتوبر 2024 م - 14 ربيع الثاني 1446 هـ
أخبار عاجلة

الهجرة المباركة وبعض الدروس المستفادة منها

الأربعاء - 10 يوليو 2024 05:45 م
30

كلما هَلَّ شهر المحرم، وانصرم، وجاء شهر ربيع الأول، شهر النور، وكمال السرور، هَشَّتِ النفوسُ، وبَشَّتْ الأفئدة لمطلع الهجرة المباركة، واستنار الكونُ كله بهجرته الشريفة، وتنفستِ الأرضُ الصعداءَ؛ جَرَّاءَ ما فعلتْه الهجرة الكريمة من رفع الظلم الموجود في جنبات الأرض، وإنارة الكون بميزان العدل، وَتَوَسَّدَتِ البشرية مكانَها اللائقَ بها، واعتبارها السامق الذي جعله الله لها، وأخذت كاملَ حقِّها من آدميتها، وكمالِها الذي خلقها اللهُ له، وأعطاها إياه من فضله، فقد نصر اللهُ الحقَّ، وأدمغَ الباطلَ، وأنار الكونَ بهجرته المباركة التي كانت نورا، وهداية للعالمين، وكلُّ إنسان عَرَفَ قدرَه، ونزل القرآنُ الكريم؛ ليذكيَ آدميةَ الإنسان، ويضعَه حيثُ شاء اللهُ له من المنزلة، فالإنسانُ سيدُ الكونِ، خلقه الله لعبادته، وأنعم عليه بكمالِ الحرية، وتمامِ الإنسانيةِ، وأكدتْ ذلك تلك الهجرةُ التي شاءت إرادةُ الله أن يبدأ التأريخُ الإسلاميُّ بها؛ تذكيرًا بأهدافها، وإعلامًا بمقاصدها. إنّ من تلك الدروس الغالية التي عَلَّمَتْنَا هجرتُه المشرَّفة الآتي: أنّ الله ناصرٌ عبادَه الموحدين، وجندَه المخلصين، وأهله الدعاة المتقين، حتى لو تخلَّتْ عنهم جميع الأرضين، ومن فيها من البشر أجمعين، قال الله تعالى:(إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة ـ 40)، وكذلك وجوبُ التضحيةِ لكلِّ متطلبات الشرع، ومقاصدِ الدينِ، ووضْعِ كلِّ ما يمكن في سبيلِ نجاحِ الدعوة، والارتقاء بها، وتقديم كلِّ سُبُلِ الدعم من: مال، وجهد، ووقت، وإبداع، وسبل دعوة، وطرائق مدروسة؛ لإدخال الناس في دين الله أفواجًا، كما فعل الرسول الكريم من شراءِ الناقةِ، وتحمُّل كلِّ تكاليفِ الهجرةِ، ولم يترك أبا بكر يتحملها وحدَه، وكان يمكن لأبي بكر تحمُّلها، لكنَّ الرسولَ الكريمَ قال له فيما روته السيدة عائشة ـ رضي الله عنها:(.. فَبَيْنَمَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، قَالَ قَائِلٌ لأَبِي بَكْرٍ: هَذَا رَسُولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ مُتَقَنِّعًا فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِدَاءٌ لَهُ أَبِي وَأُمِّي، وَاللَّهِ مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلاَّ أَمْرٌ، قَالَتْ: فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فَاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأَبِي بَكْرٍ: أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ بِأَبِي أَنْتَ، يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الصَّحَابَةُ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَخُذْ ـ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ ـ إِحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ. قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم: بِالثَّمَنِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ الْجِهَازِ، وَصَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ، فَقَطَعَــتْ أسماءُ بنتُ أبي بكر قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا، فَرَبَطَتْ بِهِ عَلَى فَمِ الْجِرَابِ، فَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ “ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ”). من هنا فلابد من التضحية، والسهر على الدعوة، وبذل أقصى ما في الوُسْعِ، واستفراغ أكبر الجهد في سبيل النهوض بالدعوة، والقيام بأعبائها وتكاليفها، والسهر على نجاحها، ودخولها كل بيت، ووصولها ما يصل إليه الشمس، والقمر، ومنها التخطيط الواعي لكلِّ عملٍ يصدر عن كل مسلم، فالرسول في حادث الهجرة خطط تخطيطا دقيقا، وبين عمل كل فرد، كان مناسبًا لِسِنِّهِ، وشخصيته، سواء أكان ذكرا أم أنثى، شابًّا أو شيخا، مسلمًا أو غير مسلم؛ ومن ثم نجحتِ الهجرةُ، وآتت أُكُلَهَا، فيلزم من كل مسلم أن يجتهد في حياته: تخطيطًا، وسهرًا، ومنها ضرورة مشاركة المرأةِ الرجلَ في إنجاح الهجرة، وتحقيق أهدافها، فعندنا عمل واجتهد كلُّ بيت أبي بكر، ومنهن السيدة عائشة، والسيدة أسماء ـ رضي الله عنهما، وكذلك أمُّ سلمة، اقرؤوا ما حدث معها، وكيف ظلتْ وراءَ نِيَّتِها حتى حققتْها، وهَاجَرَتْ، ولحقتْ بزوجها أبي سلمة، تقول الرواية:(أمُّ سلمة ـ هي أوَّل امرأة مهاجِرة في الإسلام ـ تقول: لَمَّا أجْمَع أبو سلمة الخروج إلى المدينة، رَحَّل بعيرًا له، وحَملَنِي، وحَمل معي ابنَهُ سلمةَ، ثم خرج يقودُ بعيره، فلمَّا رآه رجالُ بني المغيرة بن مَخْزوم، قاموا إليه، فقالوا: هذه نفْسُك غلبْتَنا عليها، أرأيتَ صاحبتَنا هذه، علامَ نترُكك تسير بها في البلاد؟، فأَخذوني، وغَضِبَتْ عند ذلك بنو عبد الأسد، وأهوَوْا إلى سلمةَ، وقالوا: والله لا نترك ابنَنا عندها؛ إذْ نزعتُموها من صاحبِنا، فتجاذبُوا ابنِي سلمة حتى خلعوا يَدَهُ، وانطلق به بنو عبد الأسد، وحبسَنِي بنو المغيرة عندهم، وانطلق زوجي أبو سلمة حتَّى لحق بالمدينة، ففُرِّقَ بيني، وبين زوجي، وبين ابني)، فمكثَتْ سنةً كاملة تبكي، حتَّى أشفقوا مِنْ حَالِهَا، فخلَّوْا سبيلَها، ورَدُّوا عليها ابنَها، فجمع الله شَمْلَها بزوجها في المدينة المنورة. فعلى النساء المسلمات أن يبذلن كلَّ غالٍ، ورخيصٍ، ويقفن مع الرجال في إعادة الإسلام إلى بيوتات المسلمين، وبذل أقصى ما في وُسْعِهِنَّ مع الرجال، فالنساء شقائقُ الرجال، ويتخذْنَ أمهاتِ المؤمنين قدوةً، وأسوة لهن في ذلك كله، ومنها عدمُ الإبقاءِ على المال إنْ مَنَعَ صاحبَه عن نصرة دينِهِ، فهذا صهيب الرومي كان يُسَمَّى في مكة المكرمة الفتَى المدلَّلَ، وعندما جاء ليهاجر طَمِعَ أهلُ مكةَ في ماله، وقالوا قولتهم التي جعلتْه يترك كلَّ ماله لله، ويهاجر إلى رسول الله ـ صلى الله عليه، وسلم ـ انظروا تلك الرواية، وتفهموا ظلالها، وجلالها:(لَمَّا أراد صهيبٌ الروميُّ الهجرةَ، قال له كُفَّار قريش: أتيتنا صعلوكًا حقيرًا، فكثر مالُك عندنا، وبلَغْتَ الذي بلغتَ، ثم تريد أن تَخْرج بِمالكَ، ونفسك؟، والله لا يكون ذلك، فقال لهم صهيب: أرأيتم إنْ جعلْتُ لكم مالي، أتخلُّون سبيلي؟، قالوا: نعم، قال: فإنِّي قد جعلتُ لكم مالي، فبلغ ذلك رسولَ الله – صلى الله عليه وسلَّم – فقال: رَبِحَ صهيبٌ)، والقصة في (صحيح السِّيرة النبوية)، فترك كل أمواله الكثيرة في سبيل الله، وخرج يبتغي وجه ربه، ومنها كذلك وجوبُ استصحابِ الأملِ، وتركِ اليأسِ، والكسلِ، فالرسول الكريم رغم أنه أُخْرِجَ من بلده مكةَ المكرمةِ، وكذلك لمَّا ذهب إلى الطائف أَدْمَوْا قدمَيْه الشريفتين، لم ييأس، ويترك الدعوة، بل ظل متفائلا حتى مَرَّتْ السفينةُ، ونَجَتْ، ومضتْ دعوته في العالمين، حيث تذكر كتب السُّنَّة والسيرة ما يأتي: في سنن الترمذي ـ بسند صحيح:(عَنْ جَابِرٍ، قَالَ كَانَ النَّبِىُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ يَعْرِضُ نَفْسَهُ بِالْمَوْقِفِ فَقَالَ: أَلاَ رَجُلٌ يَحْمِلُنِي إِلَى قَوْمِهِ؛ فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلاَمَ رَبِّى، فرفضَتْ خَمْسَ عشرةَ قبيلةً دعوتَه، حتى فتح اللهُ له صدورَ الأنصارِ، فكانت بيعةُ العقبة الأولى، والثَّانية، وكانت سفارةُ مصعب بن عمير إلى المدينة، الذي هيَّأ التُّربة الصالحة لاستمرار الدَّعوة، وتكوين الدَّولة في المدينة النبويَّة، فكانت الهجرة تتويجًا لِعَمَل دؤوبٍ، وصَبْر شديدٍ، وحركة لا تعرف الكلل، أو لا يعرف طريقًا إليها مطلقًا الملل، ولا عرف اليأس إليها سبيلًا، ولا الكسل إليها طريقًا، ومنها كذلك الخوفُ على الدعاة الكبار، وعدمُ تعريضِهم للهلاك، وتعبيدُ كلِّ الطرقِ لهم، وتيسير مُهِمَّاتِهِمْ، تمامًا كما فعل سيدُنا أبو بكر في أثناء الرحلة، وكذلك قبل دخول الرسول الكريم إلى الغار، انظروا ماذا فعل، وخذوا منه العبرة، والدرس:(قالت السيدة عائشة ـ رضي الله عنها: فو الله ما شعرتُ قطُّ قبل ذلك اليوم أنَّ أحدًا يبكِي من الفرح، حتَّى رأيتُ أبا بكر يبكي يومئذٍ” البخاري. وعندما خرجا معًا، كان أبو بكر يتقدَّم النبِيَّ ـ صلى الله عليه وسلَّم ـ في ترَصُّد الأمكنة؛ حتَّى لا يصيبَه أذًى، فسأله النبي ـ صلى الله عليه، وسلَّم ـ قائلاً:(يا أبا بكر، لو كان شيءٌ، أحببتَ أن يكون بك دوني؟، فقال أبو بكر: والذي بعثك بالحقِّ، ما كانَتْ لتكون من مُلِمَّة إلَّا أن تكون بي دونَك”، فلما انتهَيا إلى الغار، قال أبو بكر: مَكَانَكَ، يا رسول الله ـ أي انتظر قليلًا لا تدخل ـ حتَّى أستَبْرِئَ لك الغارَ) رواه الحاكم في (المستدرك)، وقال الذَّهبي:(صحيح مُرسل)، ومنها أيضًا حُسْنُ التوكلِ على الله، ولكنْ بعد بذل الجهد، والسهر، والتعب والدراسة، وإجالة النظر في كل موضوع يخص الدعوة ونجاحها، يقول الله تعالى:(إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ) (القصص ـ 85)، قال ابن عباس:(أي لَرادُّك إلى مكَّة كما أخرجَك منها). فمَنِ الذي منع المشركين من أن يَعْثروا على النبِيِّ ـ صلى الله عليه وسلَّم ـ وصاحبه؟!، وقد وقَفوا على شفير الغار، حتَّى قال أبو بكر: يا رسول الله، لو أنَّ أحدهم نظر تَحْت قدمَيْه لأبصرنا، أو لرآنا؟ إنه الله ـ جل في علاه ـ ولذلك كان جواب الرسول ـ صلى الله عليه وسلَّم:(يا أبا بكر، ما ظَنُّك باثْنَيْن اللهُ ثالثُهما؟) (رواه البخاري). فالتوكُّل هو سبيلُ النَّصر، فكلما احْلَوْلَكَتِ الظُّلماتُ، واشتدَّ الخَطْبُ، واحمرَّتِ الحُدُقُ، جاء الصُّبح أكثرَ انبلاجًا، قال الله تعالى:(حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا) (يوسف ـ 110)، إنَّها جنودُ الله التي تصحبُ المتوكِّلين عليه، فهذا سُراقة بن مالك يُبْصِر مكان المختبِئَيْنِ، ويَحْزنُ أبو بكر، ويقول: أُتِينَا يا رسولَ اللهِ، فيقول له النبِيُّ ـ صلى الله عليه وسلَّم:(لا تَحزنْ؛ إِنَّ الله مَعَنا)، فإذا بالعدوِّ ينقلبُ صديقًا، يعرض عليهما الزادَ، والمتاعَ، ويخذِّل الناسَ عنهم، ويَذْهبُ بوصيَّة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلَّم:(أَخْفِ عنَّا) (رواه البخاري)، كما أن حُسْنَ التوكلِ على الله تعالى يعني صدقَ اعتماد القلب على الله في دفع المضار، وفي جلب المنافع، وفي تحقيق الإيمان بأنه لا يُعطِي إلا الله، ولا يمنع إلا الله، ولا يضرُّ أحدٌ أحدًا، ولا ينفع أحدٌ سواه إلا بمشيئة الله، قال تعالى:(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) (الطلاق ـ 3)، وقال (صلى الله عليه وسلم):(لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصاً وَتَرُوحُ بِطَانًا) (رواه أحمد)، ومنها أن يهجر المسلمُ المعاصيَ، وكلَّ ما يُعْبَدُ من دون الله، قال الله تعالى:(وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) (المدثر ـ 5)، وقال (صلى الله عليه وسلَّم):(الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ) (متَّفَق عليه)، ويجب كذلك هِجْرة العصاة، كما يلزم مُجانبة مُخالطتهم، قال الله تعالى:(وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا) (المزمل ـ 10)، والهجر الجميل هو الذي لا عتاب فيه، ويجب كذلك هجرة القلوب إلى الله تعالى، والإخلاص في التوجُّه إلى المولى ـ جل جلاله ـ في السرِّ والعلانية، قال النبي (صلى الله عليه وسلَّم):(الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ) (متفق عليه)، فالهجرة تكون بمعانيها الكبار، ومغازيها الغزار، ومقاصدها المِدْرار. تلك بعض دروس الهجرة، ويبقى أنها حدثُ الأحداث، وقضيةُ القضايا، وهدفُ الأهداف، وغايةُ الغايات، لا يشبع من عطاءاتها الدعاة، ولا تَخْلَقُ من كثرة النظر فيها، بل تُوحِي للمرء في كل مرة بالجديد من الحِكَمِ، والعزيز من الدروس، والغالي من النصائح.

د.جمال عبدالعزيز أحمد

 كلية دار العلوم ـ جامعة القاهرة - جمهورية مصر العربية