الخميس 18 سبتمبر 2025 م - 25 ربيع الأول 1447 هـ
أخبار عاجلة

طقوس الثانوية العامة أيام زمان

طقوس الثانوية العامة أيام زمان
الثلاثاء - 21 مايو 2024 04:28 م

محمد الكندي

70

(مشهد ذكريات في مسقط وحالنا يوم نتائج الثانوية العامَّة.. حتى يأتيَ الخبر في الإذاعة «الراديو»). طقوس نتيجة الثانوية العامَّة ذكريات لا تُنسى في أذهان الكثيرين.. فبالرجوع بالذَّاكرة إلى أيَّام زمان ـ وبالأخص نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات ـ عندما كانت تُعلَن نتائجها بالإذاعة، حيث فرحة النجاح التي لا توصف.. ولهذا نعُودُ بالذاكرة إلى أيَّام زمان. كانت شهادة الثانوية العامَّة قديمًا مَن يحصل عليها فهو من المجتهدين؛ إذ كان يُنظر إليها بأنَّها من أعلى الشهادات الَّتي يحصل عليها الشخص أو الفرد حينها.

قَبل أكثر من (٥٠) عامًا في مسقط الخير، مسقط المَحبَّة والسَّعادة، وأيضًا في بعض ولايات سلطنة عُمان.. زمان أوَّل.. الثانوية لها شأن كبير.. فيها حنَّة ورنَّة وضجَّة، يا إعدام أو براءة (ههههههه).. كانت تُذاع في الإذاعة «الراديو» بانتباهٍ شديد من المُجتمع، حيث كانت تُعلَن برقم الجلوس والاسم ومجموع الدرجات.. على أن يتمَّ إعلان الناجحين فقط، فمن لم يسمعْ رقمه واسمه يُعَدُّ راسبًا. الإخوة الأعزَّاء، في هذه المدوَّنة نتكلم عن مشهد ذكريات يوم نتيجة الثانوية العامَّة زمان الطيبين، حيث كان يتمُّ إعلان النتيجة بشكلٍ مختلف تمامًا عن الآن.. فكان «الراديو» هو وسيلة إعلان نتيجة الثانوية العامَّة.

رؤية المشهد العام...

طبعًا يؤدِّي القلق دَوْرًا مُهِمًّا في نفسيَّة الطالب، فالقلق رفيقهم، والتوتُّر لا يفارقهم، وهواجس سلبية تتملكهم، ترقب وانتظار... هذا هو الحال الذي اعتاد طلبة الثانوية العامَّة وذووهم قُبَيل إعلان موعد نتائج الثانوية. في مسقط تؤدِّي الحارَة والأهل دَوْرًا كبيرًا في زيادة القلق من النتيجة؛ لأنَّ الكُلَّ يعرف أنَّ فلانًا في الثانوية العامَّة.. وكثرة الضغط عليهم وإشعارهم وإخبارهم بفداحة الإخفاق في حال لم يحققوا النتيجة المرجوَّة.. وهذا يسبِّب حالةً من التوتُّر الشديد تؤدِّي إلى تأثير سلبيٍّ في نَفْسية الطالب. يُعلن في «الراديو» قَبلها بيوم أو في نَفْس اليوم صباحًا.. أنَّ السَّاعة الفلانية تُذاع نتائج الثانوية.. قَبلها بساعات، الكُلُّ يترقب بتوتُّر، وتبدأ أغاني الضَّغط النَّفْسي.. كانوا يبثُّون أغنية ليلى نظمي (جاي منين من الثانوية رايح فين ع الكليَّة.. من الثانوية للكليَّة والمجموع قرب ع الميه) وأيضًا أغنية عبدالحليم حافظ (وحياة قلبي وأفراحه وهناه في مساه وصباحه). وتتردَّد هاتان الأغنيتان طوال اليوم قَبل النتيجة وبعد النتيجة.. تُسبِّبانِ للطالب حالةً وتوتُّرًا وضغطًا نَفْسيًّا كبيرًا.. وأيضًا النتائج في اليوم الثاني تُنشر في الجرائد.. يعني إذا ما كنتَ ناجحًا أو لم تأتِ بمجموع جيِّد.. كانت كُلُّ الحارة وحارات مسكد تَعرف.. وأهلك وأولاد عمِّك وأُسرتك الَّذين يعيشون خارج مسكد أيضًا سوف يعرفون.. يعني أنتَ مفضوح مفضوح.. هههههههه.

دعنا نرى المشهد في البيت...! تجتمع العائلة في حوش البيت حَوْلَ «الراديو» للاستماع إلى أسماء الناجحين في الثانوية العامَّة.. ازدحم المكان، سادَ الصَّمت في الأرجاء، في انتظار ما يُثلج صدورهم ويقتل خوفهم.. استسلموا لذلك الشعور الذي حبس أنفاسهم يُراقبهم الفتى المعني في صَمْتٍ.. يضع الأب أُذنَه على جهاز «الراديو»، ويجلس الفتى في زاوية منفردة خائفًا متوتِّرًا.. ربَّما لا ينجح ويعتقد هو أنَّ أباه مُجهِّز له العصا ومركونة في خانة ما (هههههه).. الكُلُّ يستمع لـ«لراديو» لسردِ الأسماء.. بدأوا بسردِ الأوائل العشرة في السَّلطنة.. بعد ذلك يأتي فاصل ويستمع الفتى إلى أغنية (جاي من فين من الثانوية ورايح فين ع الكليَّة) وفيه ما فيه من التوتُّر والضغط النَّفْسي بسبب الأغنية (هههههه).. وهو ما زال ينتظر سماع اسمه بين الناجحين حين يسرد المذيع ذياب بن صخر العامري، أو حمد البلال، أو السعدون.. أسماء الطلبة الناجحين بالترتيب الأبجدي.. فتزداد دقَّات قلْبِه كُلَّما اقترب اسمه، وعندما يُعلَن اسمه ناجحًا يقفز ويبكي من الفرحة، وتنهال عليه التَّهاني من الأهل، وتأتي أُمُّه وترمي الفُرَّاخ (الفشار) والشاكليت (الشوكولاتة) وداخلها خمس وعشر بيسات في جسمه، ويبدأ إخوانه وأهله بتجميعها.. وأيضًا ينجو من العصا (هههههه). كان النجاح أيَّام زمان أمرًا غير عادي.. فكانت غرشة البيبسي كولا هي المشروب الرَّسمي في الاحتفال بالمناسبات السَّعيدة. كما أنَّ بعض الأُسر أيضًا كانت حريصة على توزيع الفرَّاخ (الفشار) والشاكليت (الشوكولاتة) للجيران عند الاحتفال بنجاح أحَد أبنائها في الثانوية العامَّة. وببساطة المُجتمع آنذاك وبمعايير فرحة ذلك الزمان، كانت الأُسر تحتفل في الحارَة.. لم تكُنِ الفرحة تخصُّ بيتًا بِعَيْنِه، بل الجميع كان يفرح ويسعد ويشارك في الفرحة دُونَ أن ينتظرَ دعوةً لذلك.. حقيقة الفرحة كانت كبيرة بالنجاح، وأبواب البيوت مشرعة تستقبل الأهل والجيران، (هود.. هود) كلمتا الاستئذان بالولوج أو الدخول إلى البيت وطلب الإذن مراعاةً لحرمةِ البيوت.. كُلُّ شيء كان حسب الأُصول ووفق العادات والتقاليد.. في كرنفالٍ جميلٍ كان يبدأ وقت الظهر ويستمرُّ حتى ما بعد العصر. تلك الفرحة غابت اليوم.. ويفتقدها اليوم جيل كان يحرز (٦٠٪) ويفرح فرحة الـ(٩٩٪).. كانت البعثات تفتح ذراعيها لكُلِّ الطلبة؛ وبالتَّالي لم يكُنِ المعدَّل عائقًا أمامهم في ذلك الزمن. هذه هي كانت أحوال الطلبة في نهاية السبعينيات وحتى الثمانينيات. والتبريكات في الماضي كان الناس يتقابلون في أرض الواقع.. وليس كما هو الآن على هواتفهم.. بالرغم من أنَّ الحياة في ذلك الزمن كانت أكثر صعوبة.. لكنَّها كانت أكثر واقعية.

محمد الكندي

كاتب عماني