الأحد 06 يوليو 2025 م - 10 محرم 1447 هـ
أخبار عاجلة

الولاء والانتماء للوطن

الولاء والانتماء للوطن
الأحد - 19 مايو 2024 05:35 م

أحمد صبري

10


العام الذي أمضاه بول بريمر حاكمًا مطلقًا للعراق بعد احتلاله عام 2003 كان في الأحوال كافَّة عامًا كارثيًّا ومأساويًّا أدخل العراق برُمَّته والمنطقة في الفوضى وعدم الاستقرار، ما زال الجميع يدفعون فواتيره المكلفة؛ جرَّاء عدوان غاشم غير مبرَّر ولا يستند إلى دلائل لشنِّه على بلدٍ كامل السيادة وعامل استقرار بالمنطقة، شهد بعد احتلاله واقعًا مغايرًا ومختلفًا تمامًا عمَّا كان عليه قَبل عام 2003.

فالعراق الجديد الذي بشَّر به الرئيس الأميركي الأسبق بوش الابن لم يكُنْ آمنًا ولم يحقِّق للعراقيين ما كانوا يتطلعون إليه بوطنٍ موَحَّد ومستقرٍّ، وإنَّما تحوَّل العراق بفعل غزوه إلى ساحة للصراع السياسي والطائفي خلَّف مئات الآلاف من الضحايا وما زالت تداعياته متواصلة.

وأصبح الولاء للطائفة والحزب قَبل الولاء للوطن هو سِمات الواقع الجديد، ما عرَّض وحدة العراق وأُسُس الشراكة بين مُكوِّناته لمخاطر الانفراط والتفكُّك.

هذا النهج التقسيمي للمُجتمع العراقي كان أحد أهداف الاحتلال، بموجبه تمَّ تشكيل مجلس الحكم العراقي الذي أرسى دعائم نظام المحاصصة الطائفية الذي ما زال يطبع الحياة السياسية في العراق. وحاول حاكم العراق السابق بول بريمر تجذير النظام الطائفي في المُجتمع العراقي، وشجَّع بالمال والدَّعم السياسي والمعنوي شخصيات وقوى على تأسيس مرجعيات دينية وسياسية لهذه الطائفة أو تلك إلَّا أنَّه فشل في مسعاه.

وشجَّع بريمر حاكم العراق في حينه على تأسيس مرجعية دينية للسنَّة العرب بالعراق مُشابهة للمرجعية الشيعية بالنجف. وكان بريمر يعتقد طبقًا للمتداول في حينه أنَّ إنشاء مرجعية أو إطار أو هيكل لمرجعية سنَّة العراق قد تساعده في استخدام هذه المرجعية المقترحة على قيادة سنَّة العراق والتأثير على مواقفهم السياسية وتحديد أولوياتها.

والطامة الكبرى أنَّ بريمر الذي حكَم العراق بمعلومات سياحية عن بلاد الرافدين وتاريخها ودَوْرها في الحياة الإنسانية توهَّم أنَّه قادر على استخدام الدِّين وسيلة لخدمة أهداف الغزو، في محاولة لتأمين الملاذ الآمن لقوَّاته بالعراق. غير أنَّ آمال بريمر ومشروعه لم يرَ النور ولم يفلح في إنشاء نواة لمرجعية أو إطار لسنَّة العراق.

إنَّ ما آلَتْ إليه أوضاع العراق بعد (21) عامًا على احتلاله وشعور سنَّة العراق بالتهميش والإقصاء والتعاطي معهم على أنَّهم أقلية في المُجتمع العراقي دفعت أوساطًا سياسية ودينية وعشائرية ونخبوية للبحث عن خيار واقعي يُمهِّد لتأسيس مرجعية لسنَّة العراق، ليست بالضرورة أن تكُونَ دينية وإنَّما سياسية، في محاولة لرفعِ الأذى عنهم، كما يعتقد المروِّجون لهذا الخيار ووقف حالة التداعي والانقسام بين أطرافهم وتوحيد موقفهم إزاء ما يجري بالعراق.

دوافع المقترحات المتداولة هذه انطلقت من أنَّ ممثِّلي السنَّة في الحكومة والبرلمان أخفقوا في الدِّفاع عن جمهورهم وتنصَّلوا عن تعهداتهم، ما تطلب البحث عن خيارات بديلة قد تُتيح لسنَّة العراق بَلْوَرة رؤية واضحة وواقعية تقرِّبهم من توحيد خِطابهم السياسي وجمع شملهم من خلال خريطة طريق واضحة المعالم تنأى عن الاختلاف والاجتهاد في هذا المجال، غير أنَّ تعدُّد منابرهم وقواهم واجتهاداتهم ربَّما لا تساعد على إنضاج مشروعهم التوحيدي، والسَّبب أنَّ بريمر ومجلس الحكم الذي أسَّسه كان على أساس الطائفة والعِرق ما أدَّى إلى إضعاف الانتماء للوطن.

أحمد صبري

كاتب عراقي