لقد ذكر الله تعالى هذا المكان (سيناء ـ سينين) لما فيه من مميزات وبركات، فقد مرَّ عليه العديد من الأنبياء والرسل والصديقين ودفن بها آلاف الشهداء قديمًا وحديثًا، كما أنه يقرب من المسجد الأقصى فهي مباركة من جملة الأماكن التي بوكت حوله، ومن عظيم قدرها ذكرها الله عزوجل في كتابه العزيز مرتين، الأولى:(وَشَجَرَة تَخرُجُ مِن طُورِ سَينَاء َتَنبُت ُبِٱلدُّهنِ وَصِبغ لِّلأكِلِينَ) (المؤمنون 20).
يقول الطبري:(الصواب من القول في ذلك: أن سيناء اسم أضيف إليه الطور يعرف به، كما قيل: جبلًا طيئ، فأضيفا إلى طيئ، ولو كان القول في ذلك كما قال من قال: معناه: جبل مبارك، أو كما قال من قال: معناه حسن، لكان الطور منوّنًا، وكان قوله سيناء من نعته، على أن سيناء بمعنى: مبارك وحسن، غير معروف في كلام العرب، فيجعل ذلك من نعت الجبل، ولكن القول في ذلك إن شاء الله، كما قال ابن عباس، من أنه جبل عرف بذلك، وأنه الحبل الذي نودي منه موسى ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو مع ذلك مبارك، لا أن معنى سيناء: معنى مبارك)(تفسير الطبري 19/ 22). وقال الثعلبي: هو الجبل الذي نودي منه موسى ـ عليه السلام ـ وهو بين مصر وأيلة، قال مقاتل: خصّ الطور بالزيتون لأن أول الزيتون نبت بها، ويقال: إنّ الزيتون أول شجرة نبتت في الدنيا بعد الطوفان)(تفسير الثعلبي 7/ 44)،والثانية:(وَطُورِ سِينِينَ) (التين ٢)، اختلف أهل التأويل قوله:(وَطُورِ سِينِينَ)، فقال بعضهم: هو جبل موسى بن عمران ـ عليه السلام ـ ومسجده، وقال آخرون: الطور: هو كلّ جبل يُنْبِتُ. وقوله (سِينِينَ): حسن. وعن عكرِمة:(وَطُورِ سِينِينَ) هو الحسن، وهي لغة الحبشة، يقولون للشيء الحسن: سِينا، ويقال: التين والزيتون وطور سينين: ثلاثة مساجد بالشام، وعن الكلبيّ: (وطُورِ سِينِينَ) فهو الجبل ذو الشجر، وعن قتادة (وَطُورِ سِينِينَ) قال: جبل بالشام مُبارك حسن، أولى الأقوال في ذلك بالصواب: قول من قال: طور سينين: جبل معروف، لأن الطور هو الجبل ذو النبات، فإضافته إلى سينين تعريف له، ولو كان نعتا للطور، كما قال من قال معناه حسن أو مبارك، لكان الطور منّونا، وذلك أن الشيء لا يُضاف إلى نعته، لغير علة تدعو إلى ذلك)(تفسير الطبري ـ مرجع سابق24/ 503).
الأرض المقدسة
(يَقَوم ٱدخُلُواْ ٱلأَرضَ ٱلمُقَدَّسَة َٱلَّتِي كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُم وَلَا ترتَدُّواْ عَلَى أَدبَارِكُم فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ) (المائدة٢١)، يقول الطبري:(اختلف أهل التأويل في الأرض التي عناها بـ(الأرض المقدَّسة)، عن ابن عباس: ادخلوا الأرض المقدسة، قال: الطور وما حوله. وعن قتادة في قوله:(الأرض المقدسة) قال: هي الشام. قال ابن زيد في قوله:(ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم)، قال: أريحا،وقيل: إن (الأرض المقدسة) دمشق وفلسطين وبعض الأرْدُنّ، قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: هي الأرض المقدّسة، كما قال نبي الله موسى ـ عليه السلام ـ لأن القول في ذلك بأنها أرض دون أرض، لا تُدرك حقيقةُ صحته إلا بالخبر، ولا خبر بذلك يجوز قطع الشهادة به. غير أنها لن تخرج من أن تكون من الأرض التي ما بين الفرات وعريش مصر، لإجماع جميع أهل التأويل والسِّير والعلماء بالأخبار على ذلك)(تفسير الطبري 10/ 167).
جانب الغربي
(وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلغَربِيّ ِإِذ قَضَينَا إِلَى مُوسَى ٱلأَمرَ وَمَا كُنتَ مِنَ ٱلشَّاهِدِينَ)(القصص ٤٤)، وفي معنى وتحديد هذا الجانب وموقعه فقد اتفق جمهور المفسرين على أنه (الجانب الغربي هو المكان الواقع في شق الغرب، وهو المكان الذي وقع فيه ميقات موسى (عليه السلام) من الطور، فهو الجانب الغربي من الجبل الذي كلم الله موسى من الشجرة التي هي شرقية) كذا ذكر الرازي في (مفاتيح الغيب 24/ 602)، وذكر مثله غيره.. وللحديث بقية.
محمود عدلي الشريف