السبت 27 يوليو 2024 م - 21 محرم 1446 هـ

من دعم لا محدود إلى تكسير العظام

من دعم لا محدود إلى تكسير العظام
الأربعاء - 15 مايو 2024 05:31 م

جودة مرسي

20

قدَّم الرئيس الأميركي جو بايدن لرئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو دعمًا غير مسبوق لأي رئيس أميركي إلى الكيان المحتل، خصوصًا منذ بداية «طوفان الأقصى». تمثَّل هذا الدَّعم سياسيًّا وعسكريًّا ومساعدات بلغت عشرات المليارات من الدولارات، بل امتدَّ الدَّعم للتأثير والدَّفع ببعض الأنظمة إلى مسانَدة رئيس وزراء الكيان المحتل؛ من أجْل إنقاذه من هزيمة عسكرية واقتصادية شاهد عليها النتائج على أرض الواقع، وعيون كُلِّ متابع للأحداث في جميع أنحاء المعمورة، وأضرَّ هذا الدَّعم غير المحدود من الإدارة الأميركية بحظوظ بايدن في الانتخابات الأميركية القادمة والتي ستجرى في نوفمبر القادم، فاضطرَّ بايدن تحت ضغط الحراك الطلابي والغضب الشَّعبي، ولتجميلِ الوَجْه السياسي إلى وقف «جزء» من صفقة أسلحة هجومية في محاولة لإجبار (النتنياهو) على عدم الدخول البَرِّي إلى مدينة رفح الفلسطينية، هذا من جهة. ومن جهة إخرى إرضاء الناخب الأميركي المعارض للدَّعم غير المحدود للكيان المحتل، التي لم تعجب نتنياهو فتسبَّبت في المواجهة المباشرة لتكسيرِ العظام بينهما، واتخاذ السُّبل في كيفية تخلُّص كُلٍّ منهما من الآخر، هكذا تبدو الصورة، فكيف حدث هذا؟

أولًا: تحول الوعي والإدراك في العالم كُلِّه تجاه القضية الفلسطينية، حتى أصبحت قضية عالمية تحرِّك المشاعر لاختلاف الأجناس، وشاهدنا الحراك الجامعي في العالم، سواء الولايات المُتَّحدة الأميركية، أو أميركا اللاتينية، أو أوروبا، أو آسيا اليابان وكوريا الجنوبية، وعلى غير العادة تصدر بعض المشاهير للتنديدِ بمجازر الاحتلال والمطالبة بتحمُّل المسؤولية الأخلاقية والإنسانية بإيقاف التعاون مع الكيان المحتل، بل وعَبَّرَ الطلاب عن إيمانهم بحراكهم بفعاليات كان منها رفع العَلَم الفلسطيني خلال حفل التخرج الخاص بهم أثناء استلام الشهادات، والبعض الآخر رفع العَلَم الفلسطيني على مباني الجامعات، كُلُّ هذه الفعاليات والصحوة العالمية ضدَّ حرب الإبادة التي يشنُّها جيش الاحتلال بأوامر رئيس وزراءه الذي يرفض أي اتفاق أو هدنة لإنهاء الحرب لخوفِه من المحاكمة، وإنهاء حياته السياسية، وتحقيق هدفه الديني بإبادة أكبر عدد من أهل غزَّة. في المقابل تُشير استطلاعات الرأي للناخب الأميركي إلى تدنِّي الأصوات المؤيِّدة لبايدن بسبب كُلِّ تلك الأحداث والمواقف المؤيِّدة بقوَّة للكيان، ممَّا دفَعَ بايدن لمطالبةِ رئيس وزراء الكيان المحتل بالموافقة على الهدنة التي وافقت عليها حماس، فتمَّ رفضها من قِبل (النتنياهو)، ليتحوَّلَ التحالف غير المحدود إلى محاولة إسقاط كُلٍّ منهما للآخر.

ثانيًا: تناولت بعض وسائل الإعلام أنَّ نتنياهو أجرى مكالمة هاتفية مع مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأميركي (عن الحزب الجمهوري) وتحدَّثا خلال المكالمة عن الإجراءات التي يجِبُ أن تتخذَ بشأن عزلِ الرئيس جو بايدن بسبب إيقافه «جزء» من صفقة أسلحة هجومية للكيان المحتل، وفي نفس الوقت وعلى الجانب الآخر تحدَّثت التقارير عن عقدِ العديد من الاجتماعات في الفترة الأخيرة بين قادة الجيش وجهاز المخابرات بِدُونِ وجود نتنياهو، وهي تتمُّ بأوامر ودعم الإدارة الأميركية في محاولةٍ لعزلِ نتنياهو، بعد أن عَبَّرَ قادة جيش الاحتلال عن استيائهم من خطط حكومة نتنياهو للحرب، وتصدر ذلك رئيس الأركان هرتسي هاليفي بقوله إنَّ جيشَه يتحمَّلُ أكلافًا مضاعفةً جرَّاء غياب حراك سياسي يفترض أن يجيبَ عن سؤال اليوم التَّالي للحرب، ولأنَّه لا جواب، يجد الجيش «الإسرائيلي» نَفْسه مضطرًّا للنزفِ في جباليا مُجددًا.. وسيكُونُ مضطرًّا للقتالِ والنزفِ مجددًا في مناطق أخرى في قِطاع غزَّة من دُونَ أُفقٍ.

إنَّ ما يحدُث في العالم من انتفاضة نصرةً لأهل غزَّة ضدَّ ما يمارس معهم من حرب إبادة، ووقوف شعوب ودوَل لنصرتِهم كانت بالأمس على علاقة وطيدة بالكيان المحتل، واختلاف المصالح الشخصية للكيان وداعمه الأقوى، يذكّرنا بقوله تعالى: (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يكُونُوا أَمْثَالَكُمْ)، وهي سنَّة إلهيَّة ومشروع إلهي ماضٍ وسائر في طريق الأهداف المرسومة له.

جودة مرسي

من أسرة تحرير «الوطن »