إن عملية تبادل الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي مع الرهائن المحتجزين لدى حركة حماس وما صاحبه من فيديوهات وصور للحظة افتراق الرهائن عن محتجزيهم من جنود المقاومة الفلسطينية، أثار استغرابًا، بل اندهاش جميع من تابع الحدث بسبب ما شهدناه من تأثر على وجوه الرهائن وهم يصعدون في سيارات الصليب الدولي وحركات أيديهم المودعة وكأنهم يُودعون عزيزًا أو قريبًا. وبهدف تحليل وفهم الأبعاد وآليَّات هذه الظاهرة الغريبة تُعيدُنا إلى ما ذكره علم النفس في مجال الحروب والحالات الوجودية التي يَعِيشُهَا من وقع رهينة، والمرجعية العلمية لهذه الظاهرة هي مصطلح علم النفس المرضي (متلازمة ستوكهولم) وهي حسب المختصين: (ظاهرة نفسية تُصيبُ الفرد عندما يتعاطف أو يتعاون مع عدوه أو من أساء إليه بشكل من الأشكال، أو يُظهرُ بعض علامات الولاء له مثل: أن يتعاطف المختطفُ مع المُختَطفِ وتُسمى أيضًا برابطة الأسر أو الخطف). تعود هذه التسمية إلى سنة ١٩٧٣م إلى حادثة حدثت في (ستوكهولم)، عاصمة مملكة السويد سنة ١٩٧٣م، حين قامت مجموعة من اللصوص بالسطو على بنك (كريدتتبانكين Kreditbanken) واتخذوا من موظفي البنك رهائن لمدَّة ستة أيام، خلال تلك الفترة بدأ الرهائن يرتبطون عاطفيًّا مع خاطفيهم وقاموا بالدفاع عنهم بعد إطلاق سراحهم. يُمكن اعتبار (متلازمة ستوكهولم) كنَوْع من الارتباط بالشخص الآخر (الخاطف أو الآسر) بسبب الصدمة المتولدة عن قسوة الموقف الأول للاختطاف، ففي تلك اللحظة يُحاول العقل تحت تأثير هرمون الأدرينالين الذي تُفرزه الغدة الكظرية المتموضعة فوق الكلى من أجل تحذير كافة الجسد من أي خطر أو خوف يواجهه. بصورة أبسطَ وأوضح، حالة الخوف تعطي الإذن بإنتاج ما أمكن وبأسرع وقت ممكن من هرمون الأدرينالين ويَتَوَلى العاقل الواعي (الشعور) تقدير الوضع وإسداء التعليمات للغدة الكظرية بمواصلة الإنتاج أو التخفيف أو التوقف وذلك حسب حدَّة الخوف، هذا التقدير الآلي للخطر يكون مرجعه إلى العقل الباطن (اللاشعور) وما يحتويه من معلومات وذكريات عن مواقف سابقة. لكن هل يندرج ما شاهدناه لدى المفرَجِ عنهم من أسرى حماس من ابتسامات وتوديع حميم للمقاتلين ضمن هذا التصنيف النفسي لمتلازمة ستوكهولم أم يُبوَّبُ ضمن تفسيرات أخرى؟ كمختص في مجال علم النفس الإكلينيكي، أرى أن الموضوع مختلف في هذه الحالة، أولًا لأن مقاتلي كتائب القسام ليسوا لصوصًا ولا معتدين ظلمًا وبهتانًا على البشر، إنما هم أصحاب قضية عادلة هدفهم الرئيسي إيقاف اعتداءات جيش عرمرم على شَعبهم الأعزل منذ خمسة وسبعين عامًا. وثانيًا: فترة احتجاز الأسرى التي دامت أكثر من سبعة أسابيع كاملة، وحسب ما صرح به من أطلق سراحهم، رغم ضغوط الأجهزة الأمنية عليهم، كانت تؤكدُ أن المعاملة كانت إنسانية وراقية ولم يَشُبهَا أي عنفٍ، بل إنها كانت راقية وإنسانية بصفة لا نظير لها فقد فحص أطباء المقاومة المحتجزين وأحضروا لهم الدواء رغم شحته، احترموا خصوصية النساء والأطفال، بل حتى وهم يُسلمونهم لموظفي الصليب الأحمر الدولي يُعطونهم قوارير المياه التي منعها جيشهم عن الطفل والشيخ الفلسطيني منذ السابع من أكتوبر ٢٠٢٣م. إذن لا سبيل للمقارنة بين مكوِّنات (متلازمة ستوكهولم) و(متلازمة غزَّة)، فالأولى صنعها لصوصٌ دِينهم الدولار، والثانية بناها مناضلون مؤمنون بالله ورسوله (لا تقطعوا شجرة وألا تقتلوا امرأة ولا صبيًّا ولا وليدًا ولا شيخًا كبيرًا ولا مريضًا). وجب علينا التعمق أكثر لتحديدٍ علمي لـ(متلازمة غزَّة) وإدراجها ضمن التصنيفات الدولية للأمراض النفسية.
زوهير بن الحبيب بن عياد بن يحيى
خبير شؤون الإعاقة