السبت 10 مايو 2025 م - 12 ذو القعدة 1446 هـ

نبض المجتمع : عادات دخيلة

نبض المجتمع : عادات دخيلة
الأحد - 12 مايو 2024 05:00 م

د. خصيب بن عبدالله القريني

60


يظلُّ المُجتمع العُماني ـ بحمد الله ـ آخر المُجتمعات الخليجية التي تصلها سلبيات التطوُّر الحضاري العالمي، وأقصد هنا بالأخص تلك المرتبطة بالعادات والتقاليد المُجتمعية، في دلالة واضحة على قوَّة النسيج المُجتمعي القائم في الأساس على قوَّة العلاقات الاجتماعية بين أفراده، وكما هو معلوم فإنَّ انتشار العادات السلبية ذات البُعد المرتبط بعاداتنا وتقاليدنا الاجتماعية تنشط في المُجتمعات التي يقلُّ فيها التماسك الاجتماعي والعكس صحيح.

ولتقريبِ الفكرة سأعطي مجموعة من الأمثلة على ذلك، ربَّما شاهدنا منذ فترة طويلة عَبْرَ المسرحيات الخليجية التي تصوِّر المتقاعد الخليجي الذي يقضي بقية حياته بعيدًا عن وطنه مستمتعًا بالأجواء الجميلة في شرق آسيا على وَجْه الخصوص لدرجةٍ أنَّ الكثير منهم لا يعُودُ أصلًا من هناك إلَّا في تابوت. لو فكَّرنا في الأمر من زاوية ما الذي يدفع الشخص المتقاعد للابتعاد والعيش في دَولة بعيدة، وأقصد هنا العيش المستمر، بمعنى أنَّه يقطع كامل علاقاته بموطنه، لو كان لهذا الشخص سَمت اجتماعي وناس يتواصل معهم ويحضر أفراحهم وأتراحهم، هل سيستطيع الابتعاد والعيش في دَولة غريبة؟ هذا التقليد ـ للأسف الشديد ـ بدأ يصلنا وإن كان متأخرًا بعض الشيء، وقد لا يشكِّل ظاهرة بحدِّ ذاتها، استوقفني حوار دار بيني وبين أحدهم عندما التقيتُ به في أحَد المحال الكبرى معنا في الولاية لأسألَه عن أحواله وأنَّني لم أشاهدْه منذ فترة لِيُجيبَني بأنَّه بعد أن تقاعد أصبح مقيمًا في بتايا بتايلاند، وأنَّه لا يأتي إلى البلد إلَّا للضرورةِ القصوى، بل وأخبرني عن فلان وعلَّان الذين هم على شاكلته ويقيمون في نَفْس المنطقة في تايلاند، عندها تذكرتُ تلك المسرحيات الخليجية، وبدأتُ أسترجع السَّبب الذي ذكرتُه آنفًا، وإذا بالفعل أجد أنَّ القاسم المشترك بين هذا الشخص وزملائه الذين ذكَرَهم هو عدم وجود نشاط اجتماعي لهم، بل يكاد لا أحَد يعرفهم حتى على مستوى ضيِّق من القرية، وربَّما هو الباعث الحقيقي الذي يسهل لهم العيش في تلك البلاد حيث لا يهمهم مَن ماتَ أو مرضَ، ولا يهمُّهم حضروا مناسبات اجتماعية أم لا.

مثال آخر وهو مرتبط بنَفْس السَّبب في اعتقادي والمتمثل في قضاء إجازة العيد، سواء الفطر أو الأضحى في رحلات خارجية بعيدًا عن البقاء في البلد ومشاركة الأهل والأصدقاء فرحة العيد، فتنشط الإعلانات في الدوَل الخليجية منذُ سنوات لتشجيعِ الأُسر والشَّباب لقضاءِ العيد في دوَل مختلفة وتظهر الخصومات الكبيرة في هذا المجال، بل وتشاهد أحيانًا كثيرة عَبْرَ السناب شات، والإنستجرام في صباح العيد الكثير من الشَّباب مَن يقوم بتغطية فعاليات سفره في المقاهي والكافيهات. إنَّ فرحة العيد لا تكتمل إلَّا بممارستها وفق الضوابط التي حدَّدها الدِّين والمُجتمع، وإذا كان السَّفر مهمًّا فهناك حوالي (350) يومًا في العام يُمكِن للشخصِ أن يسافرَ فيها، ولكن أن تتخلَّى عن قيمة مُجتمعية ودِينية مهِمَّة وضرورية لمجرَّدِ التقليد فهو انسلاخ مُجتمعي بامتياز. سعدتُ كثيرًا لما شاهدتُ العديد من مشاهير «السوشيال ميديا» وهم يحتفلون بالعيد وأجوائه في عُمان، سعدتُ بفرحتهم لمشاركتِنا فرحة العيد، وسعدتُ أكثر أنَّنا ما زلنا محافِظِين على قِيَمنا الاجتماعية والدِّينية في الوقت الذي تخلَّى عنها الجميع.

وليس ببعيد أيضًا ـ كمثالٍ ثالث ـ والذي ظهر في رمضان الفائت، وهو الاحتفال بعادة دخيلة والتي تسمَّى (الغبقة) والتي لا تمتُّ لعاداتنا بصِلَة، بل إنَّ ظهورها هذا العام وتسابق البعض على ممارستها لهُوَ مدعاةٌ للاستغرابِ في وقتٍ نبحث فيه عن كيفية تقليل الاستهلاك غير الضروري في الشَّهر الفضيل والاهتمام بالجانب الروحي له، نجد البعض يهتم بإخال هذه العادة التي تغذِّي جوانب سلوكية سيئة نحاربها منذُ الأزل.

إنَّ أحَد الرهانات المهِمة التي يجِبُ أن نعيَها جميعًا أن لا نسمحَ لعاداتٍ دخيلة أن تتسللَ إلى مُجتمعنا لكَيْ تمزِّقَه؛ لكَيْ لا تجعلَ لنا فرحة أو سعادة، يجِبُ أن نقفَ ضدَّها لكَيْ يستمرَّ هذا التعايش مع الأجيال القادمة؛ لكَيْ يعيشوا بسعادة اللقاء والاجتماع بصحبة الجميع بعيدًا عن تلك السلوكيات السيئة.

د. خصيب بن عبدالله القريني

[email protected]