الاحد 19 مايو 2024 م - 11 ذو القعدة 1445 هـ
أخبار عاجلة

السخرية من بلدك فساد

السخرية من بلدك فساد
الثلاثاء - 07 مايو 2024 05:25 م

محمد الكندي

160


(يقول فلاديمير بوتين: ليس مهِمَّة الحكومة فقط صبَّ العسل في الأكواب، بل إعطاء الدواء المُرِّ في بعض الأحيان).

تأخذنا حماستنا الوطنية الساذجة لِتكبسَ على أنفاس العقل والمنطق.. ولِتقدمَ الاندفاع والغضب كردودِ أفعال لكُلِّ عمل تقوم به حكومتنا.. ونعتقد نحن أنَّ الغضب ولَذْع اللسان هما أسلحتنا في الدِّفاع عن وطننا.. فنرغي ونزبد وندَّعي لأنْفُسنا انتصارات وهمية.. ومحاسبة الذين تواطؤوا في تنفيذ تلك الأعمال التي وعدوا بها.

مدوَّنتنا اليوم تتكلم عن تلك الأمور التي وجدتها حقيقة مزعجة في الأوان الأخير في التواصل الاجتماعي.. هي كثرة الشكوى والانتقاد على أبسط الأمور.. وكثرة النصح والتوجيه للحكومة والمسؤولين.. تصدر من أشخاص ليست لهم دراية فيما يتحدثون.. استخدموا فقط وسيلة التواصل الاجتماعي لِتَحطيمِ ما هو جميل.. قد تصل هذه الاتهامات بالقذف والشتائم لِمسؤولي الحكومة.. وطبعًا هؤلاء لا يُمثِّلون عامَّة المُجتمع.. بل فئة تحبُّ التقليل والانتقاص من كُلِّ شيء، سواء على مستوى الأفراد أو الحكومة.

الإخوة الأعزَّاء.. تعلَّموا أن تأتوا خفافًا.. تعلَّموا القول الليِّن.. النصيحة فنٌّ والحديث فنٌّ.. ليس لكُلِّ ذاتٍ من بيننا حقُّ إطلاق الأحكام أو ذِكْر المحاسن من المساوئ.. جميعنا نُمارس فنَّ الحياة ولا يوجد من بيننا إلَّا أفراد تنقصهم الحكمة بقدر يشابهنا أو يتجاوزنا.. لِعلْمِكم أنَّ كثيري الانتقاد يُمكِن وصفهم بالفشَلَة؛ كونهم لم يقترحوا ولم يأتوا بحلول.. وإنَّما تنحصر انتقاداتهم وشكواهم في النَّيْل من النجاحات التي تحقَّقت وتتحقَّق.. والأمر الآخر أنَّ هناك فئةً مُجتمعية تصفِّق لهم كثيرًا، بل تتناقل ما يكتبونه وإن كان خطأً وليس لِحَديثِهم أساس من الصحَّة.

لذلك وجَبَ علينا أن نزنَ ما نقوله وننقله لِنحافظَ على قوَّتنا.. ولكن ـ مع الأسف ـ لا يزال البعض يتلذَّذ بالقيل والقال.. ويغفل عن كون ذلك قنبلة موقوتة ترتدُّ على صاحبها فتنفجر في لحظةٍ لم يتوقَّعْها.. وممَّا يُغري البعض باتِّباع طريق الغيبة والنميمة اعتقادهم بأنَّها السَّبيل الأقصر والمَسلك السَّهل لِكسْبِ القلوب وتحقيق المصالح.. ولكنَّه في حقيقة الأمر يخسر الكثير.. وأوَّل ذلك خسارته لِنَفْسه، ثم خسارته لِكُلِّ مَن حَوْلَه إذا سقَط قناعه واتضح سلوكه ومَسلكه.

أنا أتساءل دائمًا: لماذا يصرُّ البعض على هذا السلوك، وإغراق المُجتمع بهذه ا?فة؟ فمِثلما ينقل البعض الأقاويل.. يأتي غيرهم لِينقلُوا ما هو ضدَّهم.. فالدُّنيا مِثل الحلقة تَدُور بخيرها وشرِّها.. فلْنُحسنْ صناعة حلقات حياتنا.. وإذا كان ناقلو الكلام آفةً، فإنَّ مَن يستمعون إليهم ويصدِّقونهم هُمْ نواة هذه ا?فة، وسَبَب تغلغُلِها وتطوُّرها؛ ذلك بسبب اهتمامهم لِمَا ينقل لهم، أو فضولهم الذي يدفع الطرف الآخر لِلتَّمادي في ممارسة سلوكه.

أخي العزيز.. إذا كنتَ ناصحًا، فالنَّصيحة لها أدبيَّات وُضِعت لإماطةِ الأذى عن النُّفوس المتلقِّية.. ويجِبُ على مَن يُمارسها أن يكُونَ حذرًا في كيفيَّة التعامل معها، والطريقة المناسبة لِعَرضِها. فالنُّفوس البَشَرية لها قدرات وطِبَاع متباينة ومختلفة.. لا يُمكِن لأيٍّ كان أن يأتيَ ويلقيَ جُملًا وعبارات، ثم يختمها بالقول إنَّه تفوَّه بذا وذاك من باب النَّصيحة أو النَّقد البنَّاء. إذا نصحتَ فانْصَحْ سرًّا لا جهرًا.. فإن تعدَّيت ذلك فأنتَ ظالم لا ناصح.. فليس من المقبول لأيٍّ كان أن يمارسَ عُلوَّه في القول والنُّصح بشكلٍ مستمرٍّ ولكُلِّ مَن يقابله.. فليس كُلُّ ذات نَفْس بَشَرية قابلةً لِلنُّصحِ أو التَّوجيه.. يجِبُ أن تعلمَ أنَّ البَشَر ليسوا أرواحًا هائمة تحتاج إلى مَن يوَجِّهها باستمرارٍ.. هذا ليس دَوْرك ولا دَوْر أيِّ شخص.

اِعلَمْ أخي العزيز أنَّ السخرية من وطنك فساد، ونشْرَ تغريدات تُسيء لِلبَلدِ فساد، والتقليل من أهمِّية منجزات الوطن فساد، ونَقْدَك المستمرَّ لكُلِّ شيء فساد.

وأيضًا يجِبُ أن تعْلَمَ أنَّنا نعيش تحت قيادة وضَعَت قوانين وكرَّست جهودها ليس لكَيْ تعاقبَ مواطنيها على أرضها، بل لكَيْ تضْمنَ حقوقهم وحُرياتهم وتردع المُتخلِّفين عن قوانين الدَّولة الموضَّحة لِلجَميعِ في كُلِّ مكان.. إنَّنا نعيش تحت ظلِّ قيادة تعمل ليل نهار من أجْلِ مُجتمع أكثر وعيًا وثقافةً وصحَّة.. إنَّنا نعيش تحت ظلِّ قيادة تستثمر من الأموال من أجْلِ مستقبلٍ مشرِّف ومستقبلٍ وافر.. إنَّنا نعيش تحت ظلِّ قيادة حكيمة.. لا يوجد فيها فَرق بين كبير ولا صغير.. المرأة متساوية مع الرجُل في الحقوق والواجبات.

إن كنتَ تملكُ منزلًا وتقُودُ سيَّارةً، ولدَيْكَ عمل تقوم به وحياة خاصَّة تنعم بها، وتعيش في أمْنٍ وأمان في وطنِك.. فأنتَ في جَنَّة الدُّنيا التي يجِبُ أن تحمدَ ربَّك ليل نهار عليها.. فما بالك إذا كنتَ تملكُ وطنًا عظيمًا لا تساويه أغلى حفنة من ترابِ وطنٍ آخر.

إساءتك لِوَطنِكَ ولِمُجتمعِكَ ولِنَفسِكَ ما هي إلَّا تصرُّف شخصي لا يمُتُّ لِدَولةٍ ولا لِشَعبٍ بأيَّة صِلَة.. لذلك أن تردَّ الدَّيْن لِوَطنِكَ يعني أنَّه يجِبُ عليك الاحترام والولاء والطَّاعة حتى وأنتَ في مَضجعِكَ، وانتَبِه أن ليس مهِمَّة الحكومة فقط صبَّ العسل في الأكواب، بل إعطاء الدواء المُرِّ في بعض الأحيان. حفظَ الله بلادنا عُمان وحماها من كُلِّ مَكْرُوهٍ، وحفظَ الله قيادتها وشَعبها، وأدامَ علينا نعمة الأمن والأمان، وزادَ من رخائها ونمائها، ووفَّقَنا لِمَا فيه الخير والصَّلاح.. اللَّهُمَّ آمين.

محمد الكندي

 كاتب عماني