الاحد 19 مايو 2024 م - 11 ذو القعدة 1445 هـ
أخبار عاجلة

أضواء كاشفة : إيقاظ الضمير الإنساني.. مطلب ملح

أضواء كاشفة : إيقاظ الضمير الإنساني.. مطلب ملح
الثلاثاء - 07 مايو 2024 05:26 م

ناصر بن سالم اليحمدي

20

أعجبتني كثيرًا الكلمة التي ألقاها معالي الدكتور محمد بن سعيد المعمري وزير الأوقاف والشؤون الدينية خلال مشاركته في أعمال الدَّوْرة الخامسة عشرة لمؤتمرِ القمَّة الإسلامي الذي عقد في العاصمة الجامبية «بانجول» مؤخرًا عَبْرَ شعار «تعزيز الوحدة والتضامن عن طريق الحوار من أجْلِ التنمية المستدامة» حيث جاءت الكلمة كاشفة وواضحة ومحدَّدة الأهداف والرؤى وتحمل العديد من الحلول لِمَا يعانيه عالمنا اليوم من أزمات مثل الصراعات وتداعيات التغيُّر المناخي والانقسامات الطائفية والدينية والفجوة الرقمية والغذائية والدوائية، بالإضافة إلى تحدِّيات التنمية والتطرف والإرهاب والغُلو والعنصرية والإسلاموفوبيا، وهي مشاكل جميعها يتركز حلُّها في الوحدة والتضامن وتعزيز التعاون المشترك البنَّاء، والسَّعي الجادِّ لتحقيقِ المستقبل المستدام لكافَّة شعوب الأرض على أساسٍ من العدالة مع تبنِّي قِيَم التسامح والتعايش السِّلمي مع الآخر.

كما تطرَّق معالي الوزير إلى ما تشهده المنطقة من توتُّر وتصعيد عسكري نتيجة ما تقوم به «إسرائيل» في الأراضي المحتلَّة من حرب إبادة شاملة، كاشفًا عن موقف المُجتمع الدولي من هذه الحرب الشعواء وفشله في ردع دَولة الاحتلال وإجبارها على وقف انتهاكاتها المستمرَّة في حقِّ الفلسطينيين وخرقها للقانون الدولي، مؤكدًا على موقف سلطنة عُمان الثابت من القضيَّة المزمنة، موضحًا جهودها في دعم الأشقَّاء الفلسطينيين والضغط من أجْلِ وقف إطلاق النار.. ثم أنهى كلمته القوية بالدَّعوة إلى التراحم والتعاطف بين الناس؛ كون الإنسان مجبولًا بفطرته السوية على الإحساس بالآخرين والتي تدفعه دائمًا لبناءِ عالمٍ من العدل والرحمة والسَّلام، وهو ما يستوجب إيقاظ الضمير الإنساني حتى ينعمَ الجميع بالاستقرار والأمان.

إنَّ كلمة وزير الأوقاف والشؤون الدينية بمثابة تشريح لِمَا يعانيه العالم من حَوْلِنا من مشاكل وأزمات.. وفي رأيي أنَّ المُشْكلة الأكبر التي تقف حجر عثرة في وَجْه التنمية هي الإرهابي الأعظم دَولة الاحتلال «إسرائيل» هي ومن ورائها ممَّن يدعمونها.. كذلك فيمن يدَّعون التديُّن ممَّن اتَّخذوا من الدِّين ستارًا من المتشدِّدين والتنظيمات المصنَّفة إرهابية.. ففي الوقت الذي يدَّعي فيه الإرهابي أنَّه ينفِّذ تعاليم الإسلام نجد على العكس أنَّه نموذج سيئ يؤدي إلى تشويه صورة الدِّين الحنيف ويخدم مصالح أعداء الإسلام، خصوصًا أنَّه ينشر الفساد والدَّمار، ويمارس هوايته في القتل والسَّحل والحَرق والتخريب رغم أنَّ دِيننا لم يأمرْ أبدًا بقتل النَّفْس الإنسانية، بل على العكس حضَّنا جميعًا على احترامها والحفاظ عليها، وحثَّنا على عدم الإفساد في الأرض، وأمَر بإعمارها.. فللأسف مِثل هذه التصرفات تُعطي على طبقٍ من ذهبٍ الفرصةَ لأبواق الإعلام الغربي المسيَّسة التي يسيطر عليها اللوبي الصهيوني كَيْ تبثَّ سمومها وتلصقَ صفة الإرهاب والتشدُّد والدَّعوة إلى القتل والتخريب بالدِّين الحنيف وتنشر الخوف منه ومن أتباعه، وهو ما أسْهَم في تنامي ظاهرة «الإسلاموفوبيا» التي أثَّرت بشكلٍ سلبي على اندماج المُسلِمين وسط المُجتمعات الغربية فأصبحوا يتعرضون للتهميش والعنصرية والاضطهاد حتى وصلَ الحال للمطالبةِ بطردِهم من تلك البلاد.. وكان من الأجدر بتلك التنظيمات الإرهابية أن توضحَ الصورة الحقيقية للإسلام وأنَّه دِين يحضُّ على التسامح والمودَّة والتعايش بسلام ومَحبَّة مع الآخر بدلًا من مساعدة الأعداء على تنفيذ مُخطَّطات يسعون من ورائها لِتحقيقِ أطماعٍ اقتصادية وسياسية لا علاقة لها بالدِّين حيث اتَّخذوا من شعار «الحرب على الإرهاب» غطاء سياسيًّا لممارسةِ الاحتلال والقمع والتدخُّل السَّافر في شؤون الآخرين.. فما تفعله مِثل هذه التنظيمات يأتي بنتائج عكسية ويُمكِّن القوى المهيمنة من السيطرة على مقدرات المنطقة العربية من خلال فرض أجندة أمنية بحجة مواجهة تلك التنظيمات بينما هي تحقق مصالحها بالدرجة الأولى.

لا شكَّ أنَّ الدِّين الإسلامي ليس قائمًا على العبادات فقط من صلاة وصيام وزكاة وحج، بل إنَّ اكتمال الدِّين هو المعاملات في الحياة من علاقات إنسانية والتعارف عن طريق التجارة والسياحة وطلب العِلْم إلى غير ذلك من الأمور النافعة لحياةِ الإنسان مع التدبر في ملكوت الله ـ عزَّ وجلَّ ـ. فالإسلام لم يفرِّط في شيء من أمور الدِّين والدنيا معًا فهو دين الوسطية والاعتدال والخيرية والعدل والرحمة والتوازن بين الروحية والماديَّة.. ولم يتدهور حال المُسلِمين إلَّا بعد أن وقعوا فريسةً للنزاعِ والتشاحن فيما بينهم، وتراجعت منظومة الأخلاق وتخلينا عن قِيَمنا الأصيلة.. ولكَيْ نستعيدَ قوَّتنا علينا بالوحدة والعودة للدِّين ومبادئه الصحيحة وقِيَمه العليا.. فالدِّين هو صمام الأمان لأيِّ مُجتمع ودِيننا الإسلامي هو دِين الأخلاق، فقد قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم «إنَّما بعثتُ لأُتممَ مكارم الأخلاق» وبالتَّالي فإنَّ جميع مبادئه تدعو إلى الأخلاق القويمة في المعاملات، سواء مع الله أو النَّفْس أو الآخر.. ومن عظمة الإسلام أيضًا أنَّه لم يقيد حُرية الإنسان ويحرمه من التمتع بطيبات الحياة كما يتوهَّم البعض، بل احترم إنسانية الإنسان وقدَّر احتياجاته وأمَر بالتعايش الإنساني الراقي القائم على المَحبَّة والمودَّة والتسامح والرحمة والتعاون واحترام حقوق الآخرين، ونحن أحوج ما نكُونُ في وقتنا الحالي لاستيعاب هذه المفاهيم وتطبيقها في حياتنا بصورة عملية.

ناصر بن سالم اليحمدي

كاتب عماني