الاحد 19 مايو 2024 م - 11 ذو القعدة 1445 هـ
أخبار عاجلة

رحاب : مواقف ملهمة ـ 2

رحاب : مواقف ملهمة ـ 2
الاثنين - 06 مايو 2024 07:13 م

د ـ أحمد بن علي المعشني

60


ذات مرة كان هناك صبي، ابن لأحد الملوك، عاش سعيدًا مرفَّهًا في بحبوحة من الثروة والغنى والرفاهية.. لكنَّ والديه قرَّرا إرساله في رحلة إعداد وتعليم، خلَعَا ملابسه الملكية ثم عقَدَا اتفاقًا معه، وكتَبَا الميثاق في قلبه، حتى لا ينساه أبدًا، قالا له: اذهب، جنوبًا، وأعد إلينا جوهرة جميلة بشكل فريد تقع على جزيرة في وسط البحر، يحرسها ثعبان شرس وهادر. هذه الجوهرة هي لك إذا قمت بالمهمة.

سافر الصبي الصغير، جنوبًا، برفقة اثنين من الخدم، كان الطريق طويلًا وشاقًّا، وكان الصبي صغيرًا جدًّا على السفر، وبعد المرور عبر العديد من الأراضي ورؤية العديد من العجائب، وصل في النهاية إلى الجزيرة التي قيل له عنها: جزيرة في وسط البحر، حيث يعيش ثعبان شرس ومُخيف. وبمجرَّد وصولهم بأمان إلى تلك الجزيرة، تركه رفاقه. فسأل الصبي بعض الأسئلة، واكتشف أين يوجد مكان الثعبان، ثم أقام في الجزيرة يخطط حتى ينام الثعبان (وهو ما كان نادرًا أن يفعل) وذلك حتى يتمكن من التقاط الجوهرة الثمينة، وبالرغم من أنَّ والديه كان قد حذَّراه من تناول طعام الناس الأدنى منزلة منه، وأغلبهم في تلك الجزيرة كانوا من العبيد؛ إلَّا أنَّه شعر بالجوع، وأقبل على طعامهم بامتنان. هذا ما حدث وهو يرتدي ثياب ذلك البلد الغريب، وعندما تناول الطعام نسِيَ أنَّه ابن ملوك، وبدأ في خدمة ملك تلك البلاد العبيد والخدم. ونسِيَ اللؤلؤة التي أرسله والداه من أجلها، وكأنَّ الأمر كما لو أنَّ حجابًا حجب عقله وبصره عنه، ثم استسلم لغفلةٍ طويلة وبَقِيَ في تلك الجزيرة لسنوات حتى صار رجلًا.

مرَّت سنوات ولم يعُدْ إلى بلده، فخشي والداه أن يكونَ قد حدَثَ له مَكْروه، فجمعوا جميع النبلاء في المملكة حتى يتمكنوا معًا من وضع خطة لإنقاذ الصبي، كتبت عائلته رسالة موقعة من جميع نبلاء المملكة تُذكّر ابنهم بأنَّه سليل أُسرة ملكية وحفيد ملوك، وتطلب منه أن يحرِّرَ نفسه من العبودية وأن يتذكرَ أنَّه أُرسل لإحضار الجوهرة التي سافر من أجلها، وطلبوا منه كذلك أن يتذكر لباسه الملكي والأبَّهة التي كان عليها. ربطت الأُسرة الرسالة في عُنق نسْرٍ وطار جنوبًا، وسرعان ما وصل إلى الصبي الذي صار رجلًا، وكان لحظة هبوط النَّسر نائمًا، وعندما استيقظ تحدَّث إليه النَّسر بعد أن أسقطَ الرسالة عند قدميه، وذكَّره بأصله النبيل.

قرأَ الرجل الرسالة فتذكَّر أصله النبيل، وتذكَّر المهِمَّة التي أُرسل من أجْلِها إلى هذا البلد الغريب، انزاح الحجاب العقلي عن عقله بعيدًا، ثم غادر غرفته وذهب على الفور إلى المكان الذي يعيش فيه الثعبان المُخيف، ثم جلس عند قدميه وشرع في عملية غناء وأنين لِينامَ الثعبان وفي اللحظة التي نام فيها، اختطف الجوهرة التي كانت في جسمه اللولبي، ثم انطلق عائدًا.

وبينما كان يقترب من قصر والديه، خرج إليه الخدم حاملين ملابسه الملكية الفاخرة التي كان عليه أن يلبسَها وبالكاد تذكَّرها ولكن بمجرَّد أن ارتداها شَعَر وكأنَّها مرايا نفسه الحقيقية، عاد حاملًا الجوهرة العجيبة التي انتزعها من الثعبان الرهيب الهادر. نتعلم من هذه القصة بأنَّ كلَّ إنسان وُلد ملكًا لأنَّه خليفة الله على الأرض اصطفاه لِحَملِ الأمانة التي عجزت السماوات والأرض أن يحملنها وحملها الإنسان، ولكي يتذكرَ الإنسان جوهره الأصلي فإنَّه يحتاج أن يستمرَّ متَّصلًا بالله سبحانه وتعالى دائمًا حتى يتذكرَ طريق العودة إلى السماء.

د. أحمد بن علي المعشني

 رئيس لأكاديمية النجاح للتنمية البشرية