الاحد 19 مايو 2024 م - 11 ذو القعدة 1445 هـ
أخبار عاجلة

هل اختبارات السرطان الفائقة موجودة؟!

هل اختبارات السرطان الفائقة موجودة؟!
الاثنين - 06 مايو 2024 04:45 م

د. يوسف بن علي الملَّا

20

في فترة ليست بالبعيدة، صرَّحت إحدى المؤسَّسات الطبية العالمية لاكتشافها اختبار دم بسيط يُمكِن أن يكُونَ ثورة لِلكَشفِ عن السرطان. بل وتعيد تعريف ما هو ممكن للإنسان. وبتكلفة إبرة في حدود تقترب من أربعمئة ريال عُماني، تستطيع تلك المؤسَّسة فحص دمك بحثًا عن أكثر من خمسين نوعًا من السرطان في وقت واحد.

بطبيعة الحال، يهدف هذا الاختبار ـ بالإضافة إلى العديد من الاختبارات الأخرى من نَوْعه التي هي قَيْد التطوير ـ إلى اكتشاف الحمض النووي الخبيث الذي ـ إن استطعت القول ـ يطفو في عروق الشخص، بما في ذلك أجزاء من الأورام التي قد لا يتمُّ التعرف عليها إلَّا بعد انتشارها. من ناحية أخرى، فالتقدُّم السريع لهذه التكنولوجيا الجديدة، والتي أصبحت متاحة الآن، ليس مضمونًا لِمُساعدةِ المرضى. وفي الواقع، كان هناك جدل مثير حول فوائده المحتملة في الأوراق العلمية على مدى السنوات القليلة الماضية!

فأدوات الفحص المتعدِّد للسرطان تلك أو الاختبارات الفائقة لاكتشاف السرطان، لم يتمَّ اعتمادها بعد، كذلك الحال لِلمُوافقةِ عليها رسميًّا من قِبل إدارة الغذاء والدواء الأميركية ـ على سبيل المثال ـ! ولعلِّي أقفُ هنا ـ ومن منظور شخصي وطبي ـ وأقول: إنَّ الاندفاع لإدخال هكذا فحص والاختبارات ذات الصِّلة إلى عيادات الأطباء يتخطى أهمَّ خطوة في التطوير الطبي ألَا وهي إثبات فعاليتها بشكلٍ حقيقي! كيف لا؟ وبعض اختبارات الكشف المبكر(للسرطان) التقليدية مثيرة لِلجَدلِ داخل المُجتمع الطبي. فبعضها صحيح تنقذ حياة بعض الناس، ولكن تارة أخرى كيف أنَّها تسبِّب الكثير من الإفراط في العلاج، أو يغيب عنها العديد من أنواع السرطان القاتلة أيضًا!

ولعلَّ الجدل في بعض اختبارات السرطان تلك ما زال مستمرًّا، حيث أظهرت إحدى الدراسات أنَّه تمَّ الإبلاغ عن احتمال إصابة العشرات من المشاركين الأصحَّاء بالسرطان، عانى مُعْظمهم من خلال المتابعة المختبرية والتصويرية غير الضرورية. حتى أنَّ أحَد الأشخاص غير المحظوظين الموصوفين في هذه الدراسة المنشورة قد تمَّت إزالة جزء من أعضائه جراحيًّا بحثًا عن ورمٍ خبيث لم يكن موجودًا أصلًا!

مع ذلك، يجِبُ أن ندركَ أيضًا أنَّ أداة الفحص غير الكاملة ليست دائمًا أفضل من عدم وجود أداة فحص على الإطلاق. لدينا بالفعل اختبارات دقيقة إلى حدٍّ معقول لِلكشْفِ المبكِّر عن سرطان البنكرياس والمبيض ـ على سبيل المثال ـ، ولكنَّ الخبراء يوصون بعدم استخدامها على نطاق واسع؛ لأنَّ فحص المرضى الأصحَّاء لا يفعل سوى القليل لإطالة حياتهم ويأتي مع أضراره الخاصَّة.

طبعًا ذلك الفحص الاستثنائي للسرطان، لوحظ أنَّه أفضل بكثير في اكتشاف الأورام الخبيثة المتقدِّمة، والتي تتخلص من المزيد من المواد الوراثية، والعديد منها غير قابل للشفاء، من الأورام الصغيرة التي تستحقُّ اكتشافها عاجلًا. وبالتالي الطريقة الوحيدة لِمَعرفةِ ما إذا كانت الاختبارات الفائقة تلك لاكتشاف السرطان تنقذ الأرواح واقعيًّا هي تقييمها في تجربة عشوائية كبيرة خاضعة للرقابة. لذلك ـ وعلى سبيل المثال ـ وبالنسبة لهذا الاختبار (جاليري) قامت هيئة الخدمات الصحية الوطنية في المملكة المتحدة بتسجيل مئة وأربعين ألفَ مشاركٍ في مِثل هذه الدراسة التي أجريت على جاليري. ومن المتوقع ظهور النتائج الرئيسة، حَوْلَ ما إذا كان الاختبار يُمكِنه اكتشاف السرطان قَبل انتشاره، خلال عام أو عاميْنِ. ثم سيقوم الباحثون بتتبُّع ما إذا كانت حياة المشاركين قدِ امتدَّت في السنوات التالية؟!

ختامًا، أحيانًا من الصَّعب تفويت التحدِّي العلمي الذي لا يزال قائمًا. في ما قد يكُونُ قليلًا من إعادة تكوين شركات الأدوية تلك أو ربَّما البحث عن منتج يرفع قيمتها السوقية مرَّة أخرى! فأغلب الأشخاص الذين يستخدمون المنتج (الفحص) اليوم لن يكُونَ لديهم أدنى فكرة عن أنَّهم ينتجون دليلًا واقعيًّا لتكنولوجيا ربَّما لا تزال غير قادرة على إطالة حياتهم. سوف يفترضون أنَّه إذا كانت الاختبارات الفائقة لاكتشاف السرطان متاحة في العيادات، فيجِبُ علينا أن نعرفَ بالفعل أنَّها تستحقُّ الاستخدام؟!

د. يوسف بن علي الملَّا

طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي