الاحد 19 مايو 2024 م - 11 ذو القعدة 1445 هـ
أخبار عاجلة

القابض على جمرتي الغربة والشعر

القابض على جمرتي الغربة والشعر
الاثنين - 06 مايو 2024 04:39 م

أحمد صبري

20


هي أقرب إلى المناجاة منها إلى الشِّعر كما يراود ويظن قارئ (الرؤى الصوفية في قصائد وردة الكتابة) للشاعر العراقي حميد سعيد الذي كمن يبحث بين الوجع الجميل وبين البكاء والغناء والأمل. فالشاعر حميد سيعد يغدو في غربته كمَن يُناجي مُدنًا كانت وما زالت لها شأن في عالمنا المضطرب حين يقول: رأيتها في أور ثم رأيتها في بابل.. ابتعدت وغابت في قول النور.. ثم رأيتها في ليلة بيضاء في آشور وفي دمشق رأيتها يوما وفي بغداد ثم رأيتها في فاس.. ها هي جموع بهائها تدنو مكللة بضوء باذخ ويزفها حشد من الأفراس.

فالغربة بفعل مفاعيل وارتداداتها أصبحت لها أوطان من فرط قسوتها على الذين اكتووا بنيرانها بعد أن تحوَّلت إلى ملاذات يتوه في ثناياها الملايين على أمل حلم العودة، كما يرنو حميد سعيد لوطنه بعد أن يتعافى من جراحه، مفعمًا بالأمل واليقين بغدٍ أفضل بانتظارها، كما يقول الكاتب والناقد السوداني مجذوب عيدروس. فجذوة الإبداع لم تنطفئ في حميد سعيد، بل زادته سنوات الغربة ألقًا وتوهُّجًا الذي وصفَه الدكتور ضياء خضير بالقول: الشاعر حميد سعيد يبدو مِثل قمر في محاقه الأخير يفتح عَيْنَيْه من بعيد لِيرَى كامل المشهد الذي يسبق عبور.. برزخ الوجع الجميل، في مقاربة تبدو للعيان بين زمنيْنِ وأمل يداعب مخيلة الملايين بانقشاع الغمَّة التي خيَّمت على أوطاننا، وتحاول حجب ضوء القمر عن أوطاننا.

وتتكوَّنُ قصائد الشاعر حميد سعيد (رباعية وردة الكتابة) من أربع قصائد هي (وردة الكتابة الأولى والثانية والثالثة، وبعيدًا عن وردة الكتابة فتغطي هذه القصائد الأربع قبل وبعد الاحتلال الأميركي للعراق، كما يدوِّن تفاصيلها وشهاداتها الكاتب والباحث الدكتور قيس كاظم الجنابي في هذا الكتاب.

وفي شهادته يوصف الدكتور ضياء خضير الرباعية المكتوبة وردة الكتابة لحميد سعيد.. وعشتار الآلهة والمرأة العاشقة الآتية بموكبها الذهبي من أور وبابل وعشتار حتى بغداد ودمشق لِتملأَ مخيلة الشاعر بالأمل وتقدِّم له المدد المصنوع من جماليات التاريخ الرافديني.

وفي شهادته يصف الكاتب السوداني مجذوب عيدروس رباعية وردة الكتابة بأنَّها مِثل الترياق ضدَّ اليأس والإحباط، وتربَّعت في ذاكرتنا في زمن عربي شديد الاختلاف، وفي جوٍّ حافل بالمآسي العربية، غير أنَّ حميد سعيد ما زال مفعمًا بالأمل والرجاء واليقين بأنَّ الغد سيكُونُ أفضل.

ونتوقف عند نزعة التصوف الإسلامي عند حميد سعيد بطريقة مختلفة عن الشعراء العراقيِّين حين نتابع الشخصيات والرموز التراثية التي وظَّفها في شعره منذ مرحلة مبكِّرة. وكانت مجموعته (قراءة ثامنة) مرحلة انتقالية نحو مرافئ الحياة الجديدة في الاغتراف من منابع الأندلس. والتصوف عند حميد سعيد ليس بمعناه التقليدي المعروف، وإنَّما في مضمونه القائم على مجاهدة النَّفْس والتَّسامي الروحي، وإيثار البساطة والترفع عن ملذَّات الحياة.

وعدَّ الناقد عصام شرتح استخدام الرموز الصوفية لدى حميد سعيد بأنَّها نَوْع من الاغتراب بالرموز الصوفية من أهم أشكال تغريب التجربة الشعرية، والكشف عن مخزونها الرؤوي الإبداعي الخلاق.

أحمد صبري

كاتب عراقي