الاحد 19 مايو 2024 م - 11 ذو القعدة 1445 هـ
أخبار عاجلة

التأمين على الممتلكات خيار استراتيجي بعد منخفض «المطير»

التأمين على الممتلكات خيار استراتيجي بعد منخفض «المطير»
الاحد - 05 مايو 2024 05:01 م

د. يوسف بن خميس المبسلي

40

باتت سلطنة عُمان في الآونة الأخيرة تتعرض للكثير من المنخفضات المدارية والأعاصير التي تتكوَّنُ بفعل العوامل الجوِّية والتغيُّرات المناخية بحُكم موقعها الجغرافي وإطلال سواحلها على بحر عُمان وبحر العرب المتصِلَين بالمحيط الهندي، فتلك الحالات المدارية التي مرَّت على السَّلطنة وضعتها بين الدول الرائدة في مجال إدارة الأزمات، حيث جعلتها تتخذ كافَّة التدابير والاحترازات الضرورية لِتَقليلِ الأضرار الناتجة من تلك الظروف المناخية المتقلبة.

في الواقع تُخلِّف تلك الأنواء المناخية خسائر بَشَرية ومادِّية تتمثل في الممتلكات والبنى الأساسية في المناطق المتأثرة بشكلٍ مباشر، فما مرَّت به السَّلطنة مؤخرًا مِن ظروف مناخية آخرها منخفض «المطير» والذي خلَّف وراءه أضرارًا بَشَرية مؤلمة ودمَّر عددًا كبيرًا من المنازل والمَركبات، وتأثرت بسببه مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية هذا عدا انقِطاع الطرقات وخدمات الكهرباء والاتصالات.

وقد جاءت التوجيهات السَّامية السريعة بِتقييم الأضرار وصرف التعويضات العاجلة، والإسراع في جهود إعادة الأوضاع إلى طبيعتها، فتكاتفت الجهود المختلفة من كافَّة قِطاعات الدولة المدَنية والعسكرية وكذلك الأهلية، وقد برز جوهر الشَّعب العُماني الأصيل وتماسكه، وظلَّ كعادته قويًّا وواثقًا من قدرته على التعامل مع كُلِّ جوانب الموقف ومستجدَّاته.

تجدر الإشارة إلى أنَّ البنك المركزي العُماني أعلن عن دعوة كافَّة المصارف وشركات التمويل والتأجير التمويلي إلى تأجيل الأقساط؛ للتَّخفيف من تداعيات الحالة المدارية على المتضرِّرين والذي شَمل الأفراد والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، وبادر أحَد البنوك التجارية لزبائنه في بعض المحافظات التي تأثرت بالحالة الجوِّية بتأجيل قسطي أبريل ومايو للقروض التمويلية الشخصية والإسكانية.

ولقد سبق وتطرَّقنا في مقال سابقٍ حَوْلَ أهمِّية تأمين الممتلكات الشخصية بعد إعصار «شاهين» خلال عام 2021 والذي تسبب أيضًا بأضرارٍ كبيرة للعديد من المنازل، وقُدِّرت تلك الأضرار المادِّية بملايين الريالات. ومع تكرار الأنواء المناخية الاستثنائية، نوَدُّ أن نُسلِّطَ الضوء حَوْلَ أهمِّية التأمين على الممتلكات وبخاصة المنازل، وكذلك التأمين على المشاريع الصغيرة الناشئة والمتوسطة.

في الحقيقة نحن جميعًا شاهدنا الآثار الكبيرة لِمنخفضِ «المطير» وما ألْحَقه من خسائر في الممتلكات الشخصية، حيث تكبَّد مُلَّاك تلك المنازل خسائرَ كبيرة؛ لأنَّ أغلب تلك المنازل هي خارج التغطية التأمينية؛ نظرًا لعدم وجود إجراء قانوني يُلزِم الأفراد بتأمين المنازل الشخصية خلافًا للمعمول به في تأمين المَركبات بأنواعها المختلفة، عِلمًا أنَّ أهمِّية التأمين على المنازل لا تقلُّ عن التأمين على المَركبات، بل قد نعدُّه حاجة مُلحَّة في وقتنا الحالي، وبخاصَّة مع تكرار الحالات المدارية حيث تشمل التغطية التأمينية على المنازل مختلف الأضرار التي تلحقها بسبب الحرائق، أو عمليات التخريب أو السرقة، أو الأعاصير أو العواصف الرعدية.

ومن جانب آخر تُشكِّل المشاريع الصغيرة الناشئة المحرِّك الرئيس لاقتصادات الدول؛ نظرًا لِمَا توفِّره من فرص عمل وآفاق واسعة للابتكار والنُّمو، غير أنَّها قد تواجه مصيرًا ضبابيًّا يهدِّد وجودها مع تلك الظروف المناخية المتغيرة، إذ يتعين على الشركات الصغيرة، غير المؤمّنة، أن تتحملَ كافَّة الأعباء المالية لأيِّ خسائر أو مسؤوليات أخرى، وهنا تكمن أهمِّية امتلاك هذه الشركات لِلتغطيةِ التأمينية المناسبة، فقد لاحظنا أنَّ العديد من المشاريع الناشئة تأثرت بفعل الأنواء المدارية الأخيرة وتعرَّضت لِخسائر كبيرة؛ بسبب غياب التغطيات التأمينية. ولِأجل ذلك نؤكد أنَّ امتلاك تغطيات تأمينية إضافية يُمكِن أن يمنحَ المزيد من الحماية ضدَّ مختلف أنواع المخاطر التي تواجهها الشركات الصغيرة، ممَّا يساعدها على تلافي آثار الخسائر، ليس فقط خلال الظروف المناخية، بل يُمكِن أن يشملَ التأمين على الممتلكات الحماية ضدَّ مُختلف الأضرار التي قد تلحق بالمباني والمعدَّات والمخازن. يُمكِننا القول إنَّ التأمين، سواء على المنازل أو التأمين على الشركات الناشئة الصغيرة والمتوسطة أصبح ضرورة ملحَّة لِمواجهةِ الظروف غير المتوقعة وسبيلًا للاستمرار، إذ إنَّه ليس مجرَّد نفقات إضافية، بل هو استثمار طويل المدى، وتجدر الإشارة كذلك إلى أنَّ الكثير من المصارف وشركات التأمين المختلفة في السَّلطنة تقدِّم عروض خدمات التأمينية لمِثلِ هذا النَّوع من التغطية التأمينية، وإذ نؤكد على أهمِّية حثِّ المصارف وشركات التأمين على تسهيل إجراءات التأمين، وتوفير تغطية تأمينية مناسبة وبعروض تنافسية مغرية؛ لِتَشجيعِ المُجتمع على الانخراط في هذا النَّوع من التأمين.

وهنا يقع على عاتق الجهات المعنية دَوْر محوري حَوْلَ التركيز على خلق ونشرِ الوعي التأميني لدى مختلف فئات المُجتمع، والذي يتطلب استغلال كافَّة وسائل الإعلام السمعية والبصرية والمقروءة، علاوة على ذلك، أسندت الجهات المُشرِّعة بالسَّلطنة دَوْرًا مركزيًّا لهيئةِ الخدمات المالية بالإشراف والرقابة على قِطاع التأمين في السَّلطنة، ومن منطلق هذا الدَّور الأساسي فإنَّه يتطلب ـ في المرحلة القادمة ـ المبادرة من أجْلِ تعزيز ثقافة التأمين لهذه الشرائح من المُجتمع.

د. يوسف بن خميس المبسلي

متخصص في العلوم المالية والاقتصاد