السبت 18 مايو 2024 م - 10 ذو القعدة 1445 هـ
أخبار عاجلة

ضعف الوظيفة التواصلية للحكومة مع الرأي العام وتأثيرها على السياسات الاقتصادية للدولة

ضعف الوظيفة التواصلية للحكومة مع الرأي العام وتأثيرها على السياسات الاقتصادية للدولة
الاحد - 05 مايو 2024 05:00 م

محمد بن سعيد الفطيسي

20

من أكثر الإشكاليات التي تواجه أغلب الحكومات حَوْلَ العالم وتُعدُّ من التحدِّيات المُقلقة، تعزيز الوظيفة التواصلية بينها وبين الرأي العام أو المُجتمع. وتختلف تلك المساحة التواصلية من خلال معيار الحُرية والتمكين من النقد والتعبير عن الرأي لأفراد المُجتمع حيال الخدمات والتوجُّهات التي تقدِّمها الحكومة من مؤسسة إلى أخرى، خصوصًا تلك التي تتعلق بمعيشة المواطن ومستقبله والخدمات المقدَّمة من تلك المؤسسات.

فهناك من يتقبَّل النقد أو التعبير عن الرأي حيال الخدمة التي يقدِّمها أو وجود نقص أو خلَل في بعض السياسات أو القرارات المُتَّخذة من وجهة نظر المُجتمع عبر وسائط التواصل الاجتماعي أو وسائل الإعلام، ومن بين تلك المؤسسات مَن يرفض النقد بشكلٍ تامٍّ، بل ويعدُّ ذلك الحقُّ المُجتمعي تعدِّيًا على كرامة المؤسسة وسيادتها، والبعض الآخر يتأرجح بين هذا وذاك. ورغم أنَّ الحكومة في الغالب تعَدُّ مقدِّمًا للخدمات حيث تحاول الاستجابة لمتطلباتِ السوق والمستهلك للخدمةِ، لذا تعَدُّ الوظيفة التواصلية للحكومةِ أشْبَه بالنافذة الدعائية والتسويقية لِسياساتِها وتوجُّهاتها، خصوصًا الاقتصادية والتجارية منها والتي تمكِّنها من عرض خدماتها الحكومية عَبْرَها أو طرح تلك القضايا والمسائل التي تحتاج إلى إيصالها للجمهور من خلالها. عليه، «فالاتصال الحكومي يعَدُّ منصَّة تفاعلية وحوارية من جهة، ودعائية وتسويقية من جهة أخرى، بين الجهات الحكومية والجمهور، وفضاء رقميًّا ومكنة من مكنات التعامل مع الطوارئ والأزمات، وقِطاعًا استراتيجيًّا لوجستيًّا للأمن والاستقرار في حال نجحت الحكومة في استغلاله بشكلٍ صحيح، وبكُلِّ تأكيد قد يتحَوَّل إلى مصدر قلق وإزعاج وعدم استقرار في حال فشلت المؤسسات الرسمية في التعامل معه بشكل صحيح». إذًا بالفعل يهدِّد الفشل أو سوء الاستخدام أو ضعف التعامل مع الوسيلة التواصلية للحكومة استقرار الدول وأمنها، كما يؤثر كثيرًا على اقتصادها وبشكلٍ أدقَّ على سياساتها الاقتصادية من جوانب مختلفة. ولعلَّ الجانب الأمني والسياسي أكثر وضوحًا فيما يتعلق بالتأثيرات والتهديدات الناتجة عن الإدارة غير المنهجية أو العلمية للوظيفة التواصلية للحكومة، وبينما لا تظهر الخسائر السياسية جرَّاء ضعف الوظيفة التواصلية للحكومة إلَّا بعد مدَّة من الوقت، يبرز تأثير الوظيفة التواصلية على الاقتصاد بشكلٍ أسرع من انعكاسها على الاستقرار السياسي للدَّولة.

على ضوء ذلك يتأكد لنا أنَّه «حين يتعلق الأمر بوضع السياسة الاقتصادية، لا يصبح التواصل مع الجمهور مسألة ثانوية. فبصورة متزايدة، يُنظَر الآن إلى التواصل باعتباره أداة من أدوات السياسات. ولا شكَّ أنَّه لا يُمكِن أن يكُونَ بديلًا للسياسات الجيدة، ولكنَّ الإصلاحات الاقتصادية من المرجَّح أن تفشلَ أو حتى تنتكسَ ما لم تكُنْ مفهومة ومصدَّقة ومقبولة ممَّن تؤثِّر عليهم. وينطبق نفس المبدأ على مجموعة واسعة من السياسات ـ السياسات النقدية وسياسات القِطاع المالي وسياسات المالية العامَّة والسياسات الهيكلية».

ومن هنا تظهر أهمِّية وضرورة تجديد وتحديث الوظيفة التواصلية بين الحكومة والجماهير بشكلٍ يتماشى مع تلك التحَوُّلَات والتغيُّرات الحاصلة في البيئة الوطنية (الوعي الجماهيري خصوصًا) والدولية، فهذه الوظيفة ليست مجرَّد كماليات في السياسة أو الاقتصاد السياسي للدَّولة، بل مسألة غاية في الأهمِّية والحساسية؛ لأنَّها تُمثِّل امتدادًا للوظيفةِ السياسية للحكومة. ولعلَّ مَن يدرك مكاسبها ومخاطرها على استقرار الدَّولة، خصوصًا الناحية الاقتصادية يجعلها في سلَّم أولويَّاته، ولأنَّها كذلك وبسبب تلك المخاطر والتهديدات فهي تحتاج إلى دعم من أعلى المستويات السياسية، وبدون ذلك ستدخل الحكومات في صدام مع مواطنيها مع الوقت، ومع كُلِّ سياسة أو قرار اقتصادي نظرًا لِضَعفِ هذه الوظيفة، بالإضافة إلى تأثيرها المباشر على الثقة العامَّة في الحكومة، وستجد نفسها تبتعد عنهم لِمُسافاتٍ طويلة كُلَّ يوم، وفي لحظة من اللحظات ستفقد ثقة الجماهير ومتلقِّي الخدمات فيها.

محمد بن سعيد الفطيسي

باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية

رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية

MSHD999 @