الاحد 19 مايو 2024 م - 11 ذو القعدة 1445 هـ
أخبار عاجلة

طوفان الطلبة.. مقدمات وتحولات

طوفان الطلبة.. مقدمات وتحولات
الاحد - 05 مايو 2024 04:55 م

كاظم الموسوي


بعد ملحمة طوفان الأقصى في السابع من تشرين/ أكتوبر 2023 والعدوان الفاشنازي (الفاشي ـ النازي) الوحشي على غزَّة والشَّعب الفلسطيني عمومًا، انطلقت تداعيات وتحَوُّلَات متتابعة ومؤثِّرة في المشهد السياسي والاستراتيجي المحلِّي والإقليمي والدولي. وانتشرت إشعاعات الطوفان ورسمت سِماتها على وقائع الحدث اليومي بعده.. ومن بينها ما يُمكِن تسميته بطوفان طهران أو طوفان الوعد الصادق في 14/4/2024 والذي جاء ردًّا إيرانيًّا على العدوان الصهيوني على القنصلية الإيرانية في دمشق ومصرع نخبة من قيادات الحرس الثوري وفيلق القدس، والذي حسَمَ الموقف وثبت تاريخه في الواقع العملياتي المستمرِّ بين المحوريْنِ والتحالفيْنِ القائميْنِ فعليًّا وعمليًّا. حيث أقرَّ عالميًّا الدَّور الفعَّال لقرارات الجمهورية الإسلامية في إيران وقدراتها العسكرية وخططها الاستراتيجية. وجاء طوفان الوعد الصادق مكملًا لِطوفانِ الأقصى ومرحلة أخرى، مِثله في موقعه في التاريخ، في ما قَبل وما بَعد قيامه. وأعطى صورة لقدرات إيران العسكرية ودَوْرها في المشاركة ضِمْن المحور المسانِد لِلمقاومةِ الفلسطينية، حيث أصبح كُلُّ طوفان مرحلة تاريخية غير مخطَّط لها أو غير مرسوم بتفاصيل آثاره ومفاعيله وتداعياته من جهة، وبصمات انعكاساتها على ما بعده، من جهة أخرى. ومَثَّل طوفان الطلبة في الجامعات الأميركية وامتداداته خارج الولايات المُتَّحدة الأميركية أيضًا، إثباتًا آخر لِمرحلةٍ جديدة في استمرار طوفان الأقصى ومصداقًا لأهمِّيته ودلالته وإشعاعه في عملية التغيير والتجديد في الواقع والحاضر والمستقبل. إنَّ طوفان الطلبة استمرار متميِّز لِطوفانِ الغضب الشَّعبي العام في أغلب المُدن والعواصم العالمية، والذي هو الآخر عكَس اندهاشًا محليًّا وعالميًّا، وطنيًّا ودوليًّا، في الانطلاق والإصرار على الإعلان والتمرُّد والغضب الشَّعبي من سياسات بلدانهم المشاركة في المجزرة الوحشية والإبادة الجماعية والتطهير العِرقي في غزَّة وفلسطين عمومًا. ولكن طوفان الطلبة له ميزاته أو وزنه في المشهد العام بحُكم كون حراك الطلبة وفي جامعات ومدارس الولايات المُتَّحدة الأميركية والأوروبية نقطة تحَوُّل في الوعي والإقرار في الحقوق والعدالة والإنسانية، والطلبة كفئات طليعية في تركيب المُجتمعات ومبادرة في الأزمات والصراعات الاجتماعية، الداخلية والخارجية على السواء، وشهد التاريخ السياسي العالمي لحراكات الطلبة أدوارًا يستشهد بها وبالرموز التي قادتها ورسمت مساراتها في التأثير في اتجاهات الأحداث والمصائر التاريخية.

يأخذ الحراك الاحتجاجي لِطوفانِ الطلبة اتِّساعه العملي وموقعه الفعلي وقدرته على التحشيد والتفاعل الاجتماعي والسياسي والأخلاقي بتحرك الطلائع الأخرى في المُجتمعات، لِلطبقاتِ الاجتماعية والكتل التاريخية المتأهبة لِلمشاركةِ في تصعيد الاحتجاج وأخذ موقعه المتقدِّم، لا سيما الطبقة العاملة وفعالياتها في إيقاف العملية الاقتصادية وشلِّ الحياة اليومية للمُجتمعات المشتركة حكوماتها في العدوان وجرائم الحرب والإبادة والتطهير وضدَّ الإنسانية والقانون الدولي على حساب مصالحها الشَّعبية والقِيَم الإنسانية والدستور والمواثيق والأعراف المشتركة. وبالتأكيد تترك هذه الحراكات الاحتجاجية أثرها أيضًا وتجلِّياتها في التنوُّعات الاجتماعية في الغرب عمومًا، وتدعمها ردود الفعل الرسمية عليها والممارسات القمعية والوحشية التي تتناقض مع الديمقراطية والحُريات والحقوق العامَّة فينتظر أن تسهمَ من مواقعها مع هذا الطوفان الطلابي، الطليعي، ودَوْره في تصعيد الاحتجاج والأهداف والمطالبات والشعارات، في وقف العدوان فورًا والحُرية لفلسطين والتضامن مع الشَّعب الفلسطيني وأهالي غزَّة منه، ووقف الدَّعم اللوجستي لآلة العدوان وارتكاب الجرائم الفاشنازية. والأبرز من فيها طلائع النِّساء والملوَّنين الآخرين من خارج الفئات والطبقات الاجتماعية التي قامت بالحراك أو أعدَّت له، أو التي ينتظر أن تأخذَ دَوْرها الأساسي، كالمثقفين عمومًا، ولا سيما الكتَّاب والإعلاميين والصحفيين والفنَّانين، وفئات الشَّباب منهم. مِثلما كشَف طوفان الأقصى الوقائع الحقيقية لقوَّة العدوِّ وأجهزته ومؤسساته، ثم الدَّعم الواسع من قِبل القوى الامبريالية العالمية ومَن تخادم معها من توابعها أو خدمها المطيعين لها. ثم فضح الأوهام التي سادت في الإعلام وممارسات كَيّ الوعي وغسيل الأدمغة عن حجم العدوِّ، ومَن معه. طرح طوفان الوعد الصادق إمكانات وقدرات المحور الذي ساند طوفان الأقصى ودعم صموده وخبراته واستمرارها عمليًّا وفعليًّا. وعرَّى مواقف الحكومات العربية والإسلامية والشوارع العربية أيضًا، وخيبة الأمل في القيادات والأحزاب والمنظمات السياسية في هذه البلدان والخذلان القاسي من الرسميين فيها. اتساع طوفان الطلبة في أغلب الجامعات الرئيسة في الولايات المُتَّحدة الأميركية أساسًا والغرب الرأسمالي عمومًا يُعبِّر عن وعيٍ جديد ونهضة ثقافية ثورية بالضدِّ من سياسات الإمبريالية الاستعمارية وممارساتها العدوانية والإرهابية، ومُخطَّطات الاحتلال والإبادة الجماعية والتطهير العِرقي والتوحُّش الاستبدادي. وهو تطوُّر اجتماعي ثقافي وتحَوُّل سياسي في وعي فئات الطلبة الجامعيين، الشَّباب، من كُلِّ الألوان والطبقات الاجتماعية والكُتل السياسية والثقافية في تلك البلدان وتحت ظلِّ التطور الثوري في وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام ومفاهيم القِيَم الإنسانية. وتضيف مساندة أو اشتراك أساتذة جامعيين مع هذا الطوفان وتحمُّلهم جسديًّا لأساليب الإرهاب والقمع الرسمية، في كُلِّ البلدان التي اجتاحها الحراك الاحتجاجي الطلابي، دفعًا لِلطوفانِ، وبالتأكيد مع اصطفاف الطبقات والفئات الاجتماعية الثورية معها، تكُونُ بمجموعها مقدِّمات تأريخية وتحَوُّلَات كبيرة في التغيير العام، على مختلف الصُّعد، وأبرزها الإجماع على إدانة الاحتلال الصهيوني وجرائم الحرب والإبادة الجماعية في فلسطين ومَن يدعمه بكُلِّ الأشكال والوسائل والإجراءات والمواقف، ولا سيما الأسلحة الفتَّاكة بأنواعها والمواقف السياسية والدبلوماسية المتناقضة مع القانون والدستور والأعراف الإنسانية. طوفان الطلبة في الغرب الآن، ومن المنتظر، أن يتواصلَ عالميًّا ويستمرَّ في ثورة طلابية تاريخية، حركتها عدالة القضية الفلسطينية والظلم الجائر بحقِّها والتضحيات الجسيمة التي لن تذهبَ سدًى. بل ستكُونُ بعد كُلِّ مراحل الطوفان ومحطَّاته التاريخية نموذجًا جديدًا للتحرُّر الوطني والقومي والإنساني.

كاظم الموسوي

كاتب عربي ــ لندن