السبت 18 مايو 2024 م - 10 ذو القعدة 1445 هـ

«الرصيف العائم» .. وظيفة غير بريئة

«الرصيف العائم» .. وظيفة غير بريئة
السبت - 04 مايو 2024 04:47 م

علي بدوان

80

عملية بناء «الرصيف البحري» على البحر قبالة مدينة غزَّة، ليست بريئة على الإطلاق، بل وإن اكتست عنوانًا إنسانيًّا بادِّعاء مَن يقف وراء المشروع بأنَّ الهدف من بناء «الرصيف البحري العائم» هو تسهيل تدفُّق المساعدات الإنسانية إلى القِطاع، إلَّا أنَّ وظيفته الأساسية في جوهرها تتمحور حَوْلَ عددٍ من الأهداف، حيث تُريد دَولة الاحتلال «الإسرائيلي» السيطرة التامَّة على كُلِّ البوَّابات المُمكنة لِعُبور ودخول أيِّ مساعدات للقِطاع، ووضعها تحت رقابتها ومشاركتها، بما فيها عن طريق البحر، بمعنى إعادة تكريس وتشديد عملية الإطباق على القِطاع بَرًّا وبحرًا وجوًّا. وهذا ينسجم أيضًا مع رغبة واشنطن، بإدامة الحصار على القِطاع بالرغم من العدوان غير المُسبوق على قِطاع غزَّة شِبه المدمَّر كليًّا.

وما يحدو بنا للتشكيك بمسألة بناء «الرصيف البحري العائم»، أنَّ تكلفته التي تزيد عن (310) مليون دولار، تكفي لإعادة تأهيل ميناء غزَّة البحري بدلًا من بناء هذا الرصيف لو كانت النيَّات من ورائه إيجابية.

إنَّ «إسرائيل» ترى أنَّ عملية تشغيل دخول المساعدات اليومية، بما فيها قوافل إمدادات وكالة أونروا، ومواد إعادة الإعمار، يعني تفتيشها «إسرائيليًّا» وأميركيًّا في محطَّة ميناء ليماسول القبرصي، ومرافقتها حتى الرصيف البحري قبالة غزَّة، وكُلُّ ذلك وفق عملية يتمُّ دفع تكاليفها من الأطراف التي تدفع بتلك المساعدات، بمعنى تشغيل واستثمار الموضوع ماليًّا من قِبل الطرف «الإسرائيلي» عَبْرَ «شركات إسرائيلية» تعمل في إطار الخدمات اللوجستية في ميناء ليماسول وتكُونُ معنية بتفتيش القوافل الإمدادات تحت إشراف البحرية «الإسرائيلية». ولا ننسى في هذا السياق أنَّ عملية إعادة إعمار القِطاع حال تمَّ الوصول إليها تعني تدفُّق مواد الإعمار، وعندها ستكُونُ هناك مبالغ هائلة جدًّا للطرف «الإسرائيلي» لقاء تكاليف التفتيش في ليماسول ومرافقة البحرية «الإسرائيلية» للقوافل التي تحمل مواد الإعمار للقِطاع إلى الرصيف العائم. وعليه، لا تعمل الخطَّة الأميركية «الرصيف البحري» على كسر الحصار «الإسرائيلي»، بل تعمل بالتنسيق معه على إدارته بل والاستفادة الاستثمارية منه، مع أنَّ عنوان المشروع يرد أحيانًا بـ»الرصيف المؤقت»، لكنَّ الوقائع تقول بأنَّه «الرصيف الدائم» عندما يقفز عن موضوع فكِّ الحصار.كما أنَّ الغرض الخطير، والبعيد، من وراء بناء الرصيف، تعني أنَّ هناك مشروعًا خفيًّا «إسرائيليًّا أميركيًّا» لِتسهيلِ خروج الناس من قِطاع غزَّة، عَبْرَ البحر إلى مناطق اللجوء المختلفة في العالم، وبواسطة عمليات التهريب التي يجري تشجيعها، والتي تقوم بها مافيات التهجير في مختلف مناطق حوض المتوسط، التي تحمل الناس عَبْرَ القوارب من دول المغرب العربي وإفريقيا وغيرها نحو أوروبا.

والخطير في الأمر أنَّ «الرصيف البحري» يُمكِن أن يكُونَ في جانب من وظائفه «مشروع تهجير مواطني قِطاع غزَّة»، وتشجيع مَن يريد الخروج عبر الرصيف البحري، وركوب أمواج الموت، يُحلل الولايات المُتَّحدة و»إسرائيل» (من وجهة نظرهما) من مسؤولية تهجير الناس، وتَنزَع تلك العملية عنهما الإحراج من دفع الغزاويين نحو سيناء المصرية أو الأردن أو غيرها.

لتلك الأسباب المُبيتة، نرى أنَّ من المنطقي والطبيعي أن يُشكِّكَ الفلسطينيون بمشروع بناء «الرصيف العائم» قبالة مدينة غزَّة، والذي لم يُستشر به الفلسطينيون أصلًا.

علي بدوان

كاتب فلسطيني

عضو اتحاد الكتاب العرب

دمشق ـ اليرموك