الثلاثاء 21 مايو 2024 م - 13 ذو القعدة 1445 هـ
أخبار عاجلة

أضواء كاشفة : الحياة تدب فـي شرايين الأفلاج

أضواء كاشفة : الحياة تدب فـي شرايين الأفلاج
الثلاثاء - 30 أبريل 2024 05:05 م

ناصر بن سالم اليحمدي

10

فرحة عارمة اجتاحت بلدة شاحك بولاية بدية بعد أن عادت الحياة للفلج الموجود بالبلدة ودبَّت فيه الروح وجرى به الماء بعد انقِطاع دام (15) عامًا.. حيث احتفل الكبير والصغير من أهالي القرية والتفوا جميعًا حَوْلَ مأدبة غداء واحدة احتفالًا بهذه المناسبة السعيدة وشكرًا لله على نعمه.

إنَّ الأفلاج من مظاهر تراثنا العريق وسِماتنا التاريخية المميزة التي استغلها أجدادنا الأوائل في دعم الإنتاج الزراعي وتحويل صحرائنا الجرداء لِجَنَّة خضراء تنتج الغذاء والهواء النَّقي لبيئتنا العليلة. من هنا نستشعر أهمية توجُّه الدَّولة لِحَصرِ جميع الأفلاج المدرجة بقائمة التراث العالمي وإعداد تشريع يشمل تنظيمها وحمايتها بما يضْمَن لها مكانتها التاريخية الكبيرة ويضيفها كمَعْلَمٍ تراثي على لائحة التراث العالمي يبرز العبقرية العُمانية التي شقَّت القنوات، متحدِّية قسوة الطبيعة وصبرها على صنع حضارتها وحرصها على الحفاظ على موروثها الإنساني. ورغم كون سلطنة عُمان بلدًا صحراويًّا في مُعْظمها، ومواردها المائية محدودة، إلَّا أنَّها تدرك جيدًا قِيمة قطرة المياه، وتعمل قدر المستطاع على المحافظة عليها من الهدر.. فسَعَت الحكومة الرشيدة إلى تنمية الموارد المائية وتطويرها، وتوفير المياه العذبة الصالحة للاستخدام، وحرصت على وصولها بسهولة في متناول يَدِ كُلِّ مواطن يعيش على هذه الأرض الطيبة، فحفرت الآبار، وأقامت السدود والأفلاج التي تُعدُّ أقدم بناء مؤسسي وتشريعي لإدارة المياه في السَّلطنة، إلى جانب إطلاق حملات التوعية المستمرَّة لِتَرشيدِ استهلاك المياه، وغير ذلك من الفعاليات التي تظهر اهتمام الدَّولة بالموارد المائية وحرصها على ديمومتها، فأصبحت عن جدارة من الدوَل الرائدة في مجال إدارة الموارد المائية بشهادة العديد من الهيئات العربية والإقليمية والدولية.. فقد استشرفت السَّلطنة مُشْكلة ندرة المياه، وأدركت أنَّها من أبرز المخاطر التي ستواجهها الدوَل وارتباطها الوثيق بقضية الأمن الغذائي والاقتصادي والتنموي، بل إنَّه يُمكِن اعتبارها قضية أمن قومي. لذا فإنَّها عملت بشكلٍ دؤوب على تطوير وتنمية المخزون المائي وحصر الاحتياطي الذي يحتفظ به جوف الأرض وتوجيهه لتلبية الاحتياجات باستخدام التقنيات التي تزيد من توفير المياه، وتحسن توظيفه بشكلٍ يقلِّل الفاقد، ويضع كُلَّ قطرة في مكانها الصحيح.

لا شكَّ أنَّ ما شهدته البلاد من سقوط كميات قياسية من الأمطار خلال الحالة الجوِّية الماضية «منخفض المطير»، وفيما بعدها أسْهَمت بشكلٍ كبير في جريان الأفلاج وامتلاء ما خلف السدود لدرجةِ أنَّ كميات المياه التي فاضت من السدود كانت أكبر بكثير من الكميات المحتجزة، وهو ما يدعم المخزون المائي الجوفي وتغذية الآبار، وهذه نعمة نحمد الله عليها.. ويدعو بلادنا لإنشاء المزيد من السدود التي تحتفظ بالماء وتوجيهه لزراعة الأراضي. ندعو الله أن تعودَ الحياة لكافَّة أفلاج سلطنة عُمان وتتدفق المياه في شرايينها لِتعيدَ للأرض زخرفها وتتحقق التنمية الشاملة للبلاد، ويديم علينا نعمة المياه.

ناصر بن سالم اليحمدي

كاتب عماني