الخميس 16 مايو 2024 م - 8 ذو القعدة 1445 هـ
أخبار عاجلة

رحاب : مواقف ملهمة ـ 1

رحاب : مواقف ملهمة ـ 1
الاثنين - 29 أبريل 2024 04:52 م

د ـ أحمد بن علي المعشني

20

مما قرأت أن ضفدعين سقطا في بئر عميق وجاف، وقاما بجهود شاقة للخروج من ذلك المكان السحيق، لكن محاولاتهما باءت بالفشل. استغرقت محاولاتهما وقتًا طويلًا، ولكن دون نتيجة، وعندئذٍ علمت الضفادع الأخرى في المنطقة عن هذا الحادث المريع فتدافع كثير من الضفادع إلى المكان واقتربت من حافة البئر ليشهدوا محاولات الضفدعين وقد دفعها التعاطف مع الضفدعين للصراخ، وهي تنصح الضفدعين أن يكفّا عن المحاولة، وأن عليهما الاستسلام لقدرهما وكان أن استسلم أحد الضفدعين لتلك الهتافات اليائسة وقتل نفسه بصمت من خلال ارتطامه اليائس بالحائط، بينما استمر الضفدع الآخر في محاولات جاهدة للخروج من تلك الهاوية العميقة، واستمر في المحاولة دون أن يصغي إلى تثبيط جمهور الضفادع.

وبعد محاولات كثيرة فاشلة، استطاع بقفزة عالية جدًّا أن يخرج من تلك الهاوية إلى النجاة والحياة، وهنا فرحت الضفادع بنجاته من الموت وسأله بعضها في دهشة تامَّة كيف تمكَّن من القيام بهذه المهمة التي تبدو مستحيلة، خصوصًا عندما كان الجميع محبطين للغاية؟ لكنَّه لم يرد على أي شيء، وقد اتضح لجمهور الضفادع أن ذلك الضفدع كان أصمَّ! لقد كان يظن أن الإيماءات التي لاحظها تصدر من الجمهور كانت هتافات تحفيز وتشجيع ممَّا غذَّى تفاؤله حتى نجحت محاولاته في الخروج.

وفي موقف آخر سمعت أن طفلًا عمره ست سنوات ذهب برفقة أخته إلى محل لبيع حلوى القشاط في السوق الشَّعبي بمنطقة الحافة بصلالة (الماركيت)، وكان يحمل معه كيسًا صغيرًا من النقود الوهمية وأثناء تجولهما في السوق (الماركيت) تخلفت عنه أخته ذات الأربعة أعوام، وبعد أن مضى خطوات التفت خلفه فلم يجدها، وعلى الفور عاد يتفقدها، فلاحظها واقفة عند بائعة قشاط تنظر في لهفة إلى قطع القشاط المصفوفة بعناية في صحن دائري، بينما كانت البائعة العجوز تتحدث معها، فاقترب من أخته وسألها عمَّا تريد فأخبرته بأنَّها تشتهي قطعة من حلوى القشاط اللذيذ، فردَّ عليها: لحظة! ونظر إلى بائعة القشاط، وسألها بكم تبيعين الحلوى، فأخبرته بأنَّ سعر القطعة الواحدة يساوي مائتي بيسة، ففتح الكيس وأخرج من كيسه عددًا من قطع الخزف الصيني وأعطاها إلى البائعة، فنظرت إليه بإعجاب وأعطت له قطعة وأعطت لأخته قطعة أخرى وأرجعت إليه بقية القطع، فنظرت إليها جارتها التي كانت تبيع بجوارها وسألتها: لماذا قبلت أن تعطيه الحلوى (ببلاش)؟ فردَّت عليها وهي تضحك: إنَّها أرادت أن تجبر خاطره وخاطر أخته الصغيرة وسيدركان يومًا أنَّهما قابلا امرأة طيبة وكريمة كانت تبيع القشاط في (الماركيت) وأعطتهما قطعتين من القشاط اللذيذ مقابل كسرتين من الخزف الصيني القديم، وسيبقى هذا الموقف في ذاكرتهما وسيؤمنان بأنَّ الدنيا بخير وفيها كثير من الناس الطيبين.

إنَّها مواقف عابرة لكنها تبقى في بؤرة الذاكرة تبثنا الحكمة الملهمة، وفي موقف مماثل تجمَّع قبل أكثر من مائة عام جمع من الناس حول نبع للمياه العذبة يقع بين شلالات دربات وخور روري في ولاية طاقة، في تلك الأيام كانت النقود قليلة، وكان الناس يستخدمون عملة فضية تسمى (ريال فرنس)، وكان من بين الناس رجل من قبيلة بيت باقي يُسمَّى (بن زدر)، كان عليه ثأر لقبيلة أخرى نتيجة نزاع بين قبيلتين، وكان يحمل حقيبة جلدية تسمى (هبان) وقدم ابن سبيل يطلب المعونة من الجالسين، فدفع إليه بعضهم بما يستطيعون من مال أو كساء أو طعام، وعندما جاء عند (مسعود بن زدر) فتح حقيبته (هبان) وأمسكه من أسفله وأخرج مائة ريال فرنس، كانت كل ما يملك، ولم يُبقِ لنفسه ريالًا واحدًا، واستمر الناس يتداولون كرم (مسعود بن زدر) حتى يومنا هذا.

د. أحمد بن علي المعشني

 رئيس لأكاديمية النجاح للتنمية البشرية