دمشق ـ من وحيد تاجا:
يصدر قريبًا عن منشورات المتوسط في إيطاليا كتاب جديد للروائي والسينمائي الفلسطيني فجر يعقوب بعنوان (غادولينيوم ـ سيرة متنقلة). عن كتابه يقول الروائي فجر لـ«الوطن»: أول شيء يخطر ببالي لو أردت الحديث عن كتابي (غادولينيوم) هو وصفي له بـ(سيرة متنقلة). قد يبدو للوهلة الأولى أنَّنا نقف أمام كلمتين عابرتين لنوع أدبي جديد، لكن الأمر ليس كذلك أبدًا.
(غادولينيوم) هو حكايتي الشخصية جدًّا مع مرض السرطان. لا أريد بالطبع أن أدَّعي شيئًا هنا، فأنا أخاف وأذعر مثل كل الناس، وعندما أبلغني الأطباء بوجود ورم سرطاني متموضع فوق كلْيتي اليسرى وبضرورة الاستئصال بأسرع وقت ممكن، لأن هذا الورم لا يزال متربعًا على (العرش) في حالة (غزو غير صريح للأوعية الدموية)، وليس أمامي المزيد من الوقت، فقد يفلت في أي لحظة، وينتشر، وحينها سوف يكون قد فات الأوان، وجدت نفسي حينها في عالم سفلي بحاجة لقراءة مختلفة مني.
ويضيف الروائي الحائز على جائزة كتارا للرواية العربية 2021 عن روايته (ساعات الكسل - يوميات اللجوء).. عندما تأملت تجربتي مع هذا المرض بعد مرور أكثر من عقد وتوغلي في القراءة عنه لفَتَ انتباهي شيء في غاية الغرابة والإثارة - وهما شيئان للمناسبة حرضاني على كتابة غادولينيوم - أنَّ الأطباء عندنا كانوا فدائيين أيضًا، وليسوا أطباء فقط، بمعنى أنَّ سرعة التشخيص والقرارات الصائبة، والشجاعة في (الاستئصال) أدَّت دورًا كبيرًا في نجاتي من موت محقق، وأريد هنا أن أركز على أنني فقدت في هذه المعركة: الكلية اليسرى، غدة الكظر، والحالب. ويستطرد قائلًا: أنا لا أخفيك أنني شعرت بشيء غريب مخلخل للنظام العام في جسدي حين كنت في مهرجان روتردام للفيلم العربي في هولندة. يومها صحت بأعلى صوتي مرددًا ما قاله أوس بن حجر (أيتها النفس أجملي جزعًا...إن الذي تخشين قد وقعا) حين أطلت نذره السوداء لتعلن عن بداية مشواري معه.
وقد وقعت على السيرة المتنقلة، لأنَّ هذا الضربة الأولى التي وجهها الأطباء لهذا الورم تبعها مراقبة استمرت حوالي عام خوفًا من انتقالات قد تكون حدثت عن طريق واسمات ورمية متخفية ما زالت تنشط في جسمي هنا أو هناك. لقد حدث أنني أصبت بالذعر بعد اختبار بسيط لخمائر الكبد، حين تسببت مواد تحليل مخبرية فاسدة في أحد المخابر في مخيَّم اليرموك بإعطاء نتائج مزيفة عن وجود هذه الواسمات الورمية، لولا أنَّ الطبيب طلب مني إعادة التحليل في أحد مخابر دمشق الموثوقة، وظهر أنَّ كل شيء على ما يرام. وعن الفترة التي استغرقها الكتاب قال: لقد استغرق مني الكتاب وقت في التأمل؛ لأنَّني في كل يوم كنت أكتشف شيئًا جديدًا عن مرضي، وما تبعه من إجراءات غيّرت طبيعة حياتي، وغيرت من نظرتي للحياة نفسها، وبخاصة بعد قدومي للسويد، وقراءاتي عن أخطاء مريعة في التشخيص، هنا، الأمر الذي يؤدي إلى نتائج كارثية للأطباء، والمرضى على حد سواء. لا أريد أن أقول إنَّنا قد تقدمنا عليهم، لا، ليست هذه الكلمة المناسبة، لكن الأطباء عندنا يمتلكون بالإضافة إلى الشجاعة تلك الروح الوثابة التي يفتقد إليها الأطباء هنا.
ولكن ما هي مادة غادولينيوم بالمقابل؟
إنَّها مادة من النظائر النووية المشعة، اكتشفها العالم الفنلندي يوهان غادولين، ويستخدمها الأطباء في التصوير بالرنين المغناطيسي، أو ما أسميته في الكتاب بـ(مغارة الكمال النووي)، إذ وصل العقل البشري باستخدام هذا النوع من التصوير المغناطيسي النووي إلى مرتبة الكمال، فليس ثمة شيء بعده، أقله حتى الآن، لكنهم توقفوا عن استخدام كلمة النووي المرعبة للناس أثناء استدعائهم للتمدد الأفقي وسماع ذلك النقيق على شكل ضربات في الرأس. الكارثة الأكبر أن مادة غادولينيوم التي تستخدم في تظهير مثل هذه الواسمات تم حظرها في الدول المتقدمة لأنَّها تسبب فيما تسبب فشلًا كلويًّا وأخطارًا أخرى جسيمة، والأخطر من كل ذلك أنَّ هذه الدول المتقدمة لا تزال تصنعها وترسلها إلى أسواق خارج أسوارها.