الخميس 16 مايو 2024 م - 8 ذو القعدة 1445 هـ
أخبار عاجلة

مدينة السلطان هيثم.. تغيير الثقافة المسكنية

مدينة السلطان هيثم.. تغيير الثقافة المسكنية
الاثنين - 29 أبريل 2024 04:50 م

محمد عبد الصادق

30

علاقة العُمانيين بالمسكن علاقة متفرِّدة، فأهمُّ شيء يحرصون عليه هو الخصوصية، لذلك تجد قرابة (90%) من العُمانيين يسكنون في منازل خاصَّة يمتلكونها، ونادرًا ما يفضِّلون الإقامة في شقة سكنية، إلَّا في ظروف مؤقتة، كالدراسة أو العمل، كما أنَّ العُمانيين من الشعوب القليلة التي تفضِّل الإقامة في الأقاليم والريف عن السكن في المدينة، لذلك تجد طريقَي الباطنة ونزوى السريعين مزدحمين صباحًا وعصرًا، فكثير من الموظفين الذين يعملون في محافظة مسقط يفضِّلون الإقامة في مسقط رأسهم إذا كانت المسافة في حدود مئتي كيلومتر في رحلة تستغرق ساعتَي زمن، ونلحظ في الأعياد والإجازات الرسمية، تتحول مسقط إلى مدينة للوافدين.

وبفضل إنجازات النهضة العُمانية الحديثة على مدار العقود الماضية، استطاع كثير من العُمانيين الحصول على قطعة أرض مخطَّطة من وزارة الإسكان وقروض ميسَّرة طويلة الأجل، استطاعوا من خلالها بناء مسكنهم الخاص، حتى صارت سلطنة عُمان رائدة في توفير السكن الملائم لمواطنيها.

لكن مع تزايد عدد السكان، وارتفاع التضخم العالمي، أصبح إنشاء مخطَّطات سكنية جديدة بما تشمله من مرافق وخدمات، وتوفير قروض للبناء بدون فوائد لتغطية طلبات الراغبين في السكن، أمرًا مكلفًا، يُمثِّل عبئًا كبيرًا على موازنة أيِّ دَولة مهما كان دخلها، الأمر الذي أدَّى لتباطؤ تلبية طلبات الحصول على مسكن، ووجود لائحة انتظار طويلة، وأصبح لزامًا البحث عن نمطٍ جديد من الإسكان، يوفِّر مسكنًا يتناسب مع أسلوب الحياة العصرية والأوضاع الاقتصادية المتغيِّرة، ويستوعب أكبر عددٍ من السكان في مكان حضاري، تتوافر فيه كافَّة المرافق والخدمات بأسعار في مقدور الغالبية العظمى من المواطنين، مع استمرار الدعم الحكومي ولكن بطريقة مختلفة تضمن وصول الدعم لمستحقيه.

نجاح هذه التجربة مرتبط بتغيير ثقافة السكن لدى العُمانيين، فالشَّاب المقبل على الزواج حديثًا، لا يحتاج أكثر من شقة (100) متر؛ غرفتي نوم ومجلس أو غرفة معيشة، يسهل تأثيثها وصيانتها ونظافتها. فأنا زرت أصدقاء عُمانيين حديثي الزواج لديهم طفل وحيد يسكنون في فيلا مكوَّنة من ثلاثة طوابق وحديقة، ويعانون الأمرَّيْن في تحمُّل تكاليف الصيانة والعناية بالمنزل ويحتاجون لأكثر من عاملة منزل لِتَنظيفِ هذه المساحات التي لا تجد مَن يسكنها، وكان الأجدى لهؤلاء بدء حياتهم بشقة صغيرة، ثم ترقية المسكن مع مرور الزمن وزيادة الدخل وكبر الأولاد واحتياجهم لغرفٍ منفصلة.

كانت الاستجابة السَّامية من لدن جلالة السُّلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله ورعاه ـ لشواغل شَعبه، بتدشين مدينة السُّلطان هيثم، لِتصبحَ أوَّل مدينة ذكية في عُمان، على مساحة (14) مليون متر مربع، تتكُونُ من (20) ألف وحدة سكنية، ومسطحات خضراء على مساحة (2.9) مليون متر، مزوَّدة بكافَّة الخدمات والمرافق المتكاملة، وتُشكِّل المدينة وجهة جاذبة للاستثمار، ونقلة نوعية في التصميم الحضري والتخطيط العمراني، بما يتوافق مع رؤية «عُمان 2040»، حيث تتسع عند اكتمالها لـ(100) ألف نسمة، وتُمثِّل نموذجًا فريدًا لمستقبل المُدُن العُمانية، باحتوائها على عناصر جاذبة للعيش والإقامة والاستخدام الأمثل للمرافق، وهي خطوة مهمَّة لِتَحقيقِ الاستراتيجية العمرانية الجديدة في سلطنة عُمان، وتتميز المدينة بشبكة طُرق ذكية تتيح خيارات الوصول من مكان إلى آخر من خلال عدَّة مسارات، سواء للمَركبات أو المشاة، كما تتميز المدينة بخاصية الثراء المكاني، واستخدام التقنيات الإنشائية التي تلائم الجغرافيا والمناخ، بتصميم يراعي كافَّة التفاصيل، واختيار مواد البناء المناسبة للبيئة المحلية، إضافة إلى تعدُّد المكوِّنات التي تعطي انتماء إلى المكان، فضلًا عن استخدام الحلول والابتكارات التكنولوجية، بما يُلبِّي التطلُّعات المستقبلية للجيل الجديد من السكان المستهدفين. سيكُونُ لمدينة السُّلطان هيثم تأثير مباشر على النَّمط الإسكاني في سلطنة عُمان من حيث الشكل والتنظيم، وستكُونُ ملهِمَة للمطوِّرين العقاريين لإنشاء مُدُن مماثلة في كافَّة رُبوع عُمان.

محمد عبد الصادق

كاتب صحفي مصري