الخميس 16 مايو 2024 م - 8 ذو القعدة 1445 هـ
أخبار عاجلة

أزمة ربع العمر.. وماراثون الحياة!!

أزمة ربع العمر.. وماراثون الحياة!!
الاثنين - 29 أبريل 2024 04:53 م

د. يوسف بن علي الملَّا

20

ربَّما بدأت الجري من أجْلِ اللياقة البدنية، أو لأنَّك تبحث عن متنفَّس للإحباط أو الكسل الذي تعيشه. ولكن بغَضِّ النظر عن السَّبب الذي دفعك إلى البدء، فقد أصبحت في مرحلة ما أكثر من مجرَّد هواية. أصبحت تأخذ وقتًا أطول عند الجري، حتى بدأت تتساءل: هل يجِبُ عليك الاشتراك في أيِّ مسابقة جري أو ماراثون قريب؟!

قد يبدو هذا للوهلة الأولى وكأنَّه خطوة في أزمة منتصف العمر. لكن في هذه الأيام، يشعر الأشخاص الأصغر سنًّا بنَفْسِ الرغبة! حيث امتلأت بعض مواقع التواصل الاجتماعي بمقاطع فيديو لأشخاص في العشرينيات من عمرهم يصورون أنْفُسهم وهم يركضون ويتباهون بأدواتهم الرياضية أثناء الجري، لِيكُونَ صدقًا ـ إن استطعت القول ـ بماراثون أزمة رُبع العمر!

بطبيعة الحال، وبالنسبة للعديد من الأشخاص في العشرينيات من العمر اليوم، أصبح من الصعب الوصول إلى علامات النضج التقليدية (الزواج، الأطفال، الحياة المهنية المستقرَّة) بشكلٍ سهل. وفي هذا السياق، قد يشعر الشَّباب بالارتباك من الناحية تلك، فهُمْ لا يعرفون حقًّا ـ على سبيل المثال ـ كيف يدفعون للسكن أو ماذا يفعلون؟ لِيتضحَ أنَّهم قد يشعرون أيضًا بالارتباك الوجودي العميق! ما أقصده هنا، أنَّه عندما تبدو معالم الحياة الكبيرة الأخرى بعيدة المنال، فإنَّ البحث عن مسابقة للجري أو ذلك الماراثون، على الرغم من أنَّه صعب، يُمكِن أن يبدوَ وكأنَّه طريق أكثر ضمانًا للعثور على ذلك المعنى: حيث إنَّك إذا التزمت بخطَّة التدريب الخاصَّة بك، فهذا هو الهدف الذي يُمكِنك الوصول إليه.

لذلك يجِبُ أن نعيَ بأنَّ رُبع العمر هو مرحلة تنموية حقيقية وصعبة في كثير من الأحيان. فعندما تصبح بالغًا، فإنَّك تنتقل من وجود منظّم للغاية، على الأرجح في المدرسة أو العائلة، إلى حياة أكثر انفتاحًا. وسنلاحظ مع الوقت، في السنوات الأخيرة، أصبحت فترة عدم الاستقرار هذه طويلة لذلك الجيل! لذلك هنا، عندما ذكرت موضوع الجري أو ذلك الماراثون، كان الهدف من ربطه لِيعيَ هذا الجيل بأنَّ الجريَ هو الشيء الوحيد الذي يُمكِنهم التحكم فيه. حتى فيما يتعلق بالمسافة المقطوعة، يُمكِنهم الاستمرار، بل ويُمكِنهم التوقف! لِتأتيَ القدرة على قياس تقدُّم ذلك الفرد، وتحديد أهداف واضحة، وتحدِّي نَفْسه أو نَفْسها بطريقة لم تكُنْ تستطيع القيام بها في العمل.

بالطبع، الماراثون (وهنا أحيي ماراثون مسقط السنوي والقائمين عليه) ليس ضمَّادة سحرية لآلام رُبع العمر. إنَّه ـ بلا شك ـ نشاط بدَني شديد يُمكِن أن يؤديَ إلى إصابات أو حتى اهتمام مهووس وغير صحي بالجسد، حيث يُمكِن لأيِّ شخص ليس عدَّاءً أن يتوقعَ التدرب لمدَّة لا تقلُّ عن ستة أشْهُر. ثم هناك الساعات التي تقضيها في تمارين التمدُّد، وتخطيط الوجبات، وتدريبات القوَّة، وأوقات التعافي الطويلة بعد التمرين. وأحيانًا صعوبات الجدولة التي قد تتداخل مع الوظائف أو العلاقات الاجتماعية. إنِّي أتحدَّث هنا، أنَّه في الأساس التزام بالحياة، على الأقل خلال الفترة الزمنية التي تقوم فيها بذلك!

بينما أولئك الذين يركضون سعيًا وراء التصوير وإبرازه على وسائل التواصل الاجتماعي بدلًا من تحسين أنْفُسهم يُمكِن أن يجدوا أنَّ هذه العملية تتركهم فارغين، أو مع تدنِّي احترام الذَّات. ولكن بالنسبة لأولئك الملتزمين حقًّا بالتحدِّي، فإنَّ الخضوع لهذا النَّوع من التدريب المنهجي والمتَّسق والمركَّز الذي يتطلبه هكذا ماراثون يُمكِن أن يكُونَ مفيدًا للتطوُّر النَّفْسي.

ختامًا، الاستعداد لأيِّ سباق قد يساعد ذلك الفرد في معرفة ما يريده بعد ذلك في الحياة، خصوصًا عندما يذكر نَفْسه بأنَّه ركض لمدَّة ستِّ ساعات متواصلة ـ مثلًا ـ، وهو الأمر الذي كان يعتقده في السابق مستحيلًا! فهل هكذا رياضة قد تكُونُ علامة فارقة لعددٍ متزايدٍ من الشَّباب، في ماراثون الحياة هذا؟

د. يوسف بن علي الملَّا

طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي