الخميس 16 مايو 2024 م - 8 ذو القعدة 1445 هـ
أخبار عاجلة

خيارات أميركا المستقبل

خيارات أميركا المستقبل
إبراهيم بدوي
الاثنين - 29 أبريل 2024 04:49 م

إبراهيم بدوي

10

تحدَّثنا في مقال سابق عن ما أحدثته عملية طوفان الأقصى من اختراق في الأوساط الغربية الشَّعبية، وكيف خرج مقترح زوال إسرائيل مرَّة أخرى للحياة، ولكن هذه المرَّة من شمال الكرة الأرضية، بدلًا من التبنِّي السابق الذي بدأ مع بداية الصراع العربي ـ الإسرائيلي، قبل أن تتبدلَ الاستراتيجية العربية بفعل الضغط الأميركي والغربي، وكان مقترح (الزوال) كحلٍّ لأزمة الشرق الأوسط، قد خرج في المرَّة الأولى من استطلاع رأي استهدف فئة الشَّباب، أجرته جامعة هارفارد العريقة، وهو موقف اتضح بشكلٍ أكبر عَبْرَ مجموعة التظاهرات التي انتشرت في الجامعات الأميركية كالنَّار في الهشيم، رغم القمع الذي لاقته وتلاقيه تلك الاحتجاجات السلمية من الشُّرطة الأميركية.

إنَّ تلك الرؤى والتظاهرات التي انتشرت في كثير من الأوساط الأميركية الشَّبابية منها والعِرقية، تؤكِّد أنَّ هناك تغييرًا في المزاج العام الأميركي. فبدلًا من سيطرة اليمين الصهيوني أفرزت التجارب المختلفة يمينًا آخر. صحيح أنَّه يتَّسم بنَفْس التطرف، لكن منطلقاته ورؤيته وثوابته تختلف بالتأكيد عن اليمين الأميركي الصهيوني، الذي كان نقطة انطلاقة لهذا الفكر المتصهين، سبق حتى الحركة الصهيونية اليهودية، والذي كان ولا يزال يسيطر على مراكز صنع القرار في العديد من العواصم الكبرى، وعلى رأسها الولايات المُتَّحدة الأميركية، وهنا لا نرجح يمينًا متطرفًا على آخر، لكنَّنا نرصد التغيُّر الذي شوهد في تحركات وتظاهرات في الولايات الجنوبية الغنية بالنفط، والتي تعَدُّ معقلًا رئيسًا لهذا اليمين الجديد. كما أفرز حراك غزَّة، وما تبعه من حراك في منصَّات التواصل الاجتماعي، طبقة باتت أكثر وعيًا بتأثيرات اللوبي الصهيوني، المسيطر على السياسة الأميركية، وعلى مستقبل أميركا، والذي يراه هؤلاء بدايةً لِنهايةِ أميركا الكبرى، حيث غابت البوصلة واضطربت ما بين الدَّور الذي كانت تؤدِّيه «إسرائيل» وحركتها الصهيونية في حماية المصالح الأميركية، والوضع الحالي، الذي يرى فيه كثير من الأميركان ـ على اختلاف انتماءاتهم ـ أنَّ حماية الكيان الصهيوني باتت عبئًا كبيرًا، يكلِّف واشنطن فاتورة باهظة، خصوصًا مع وجود حكومة شديدة التطرف، باتت تُملي توجُّهاتها دون مراعاة المصالح الأميركية، بل تسعى إلى فرض رؤيتها رغم التأثير السلبي على مصالح واشنطن ليس في الشرق الأوسط فحسب، بل انسحب تأثيرها على العديد من المناطق حول العالم. تلك الأصوات التي أتحدَّث عنها باتت تصطدم بسيطرة اللوبي الصهيوني الذي يسيطر على الحزبين الكبيرين، كما أشرنا في المقال السابق، والذي جعل الخيار بين بايدن المتصهين وترامب الأشد صهيونية. صحيح أنَّني منذ نعومة أظافري جُبلت على عدم الإيمان بالديمقراطية الأميركية، حيث يغيب عنها التعدد، وتسير وفق توجُّه ليبرالي رأسمالي يترنَّح بين الوسط اليميني وأقصى اليمين، لكنِّي أعترف أنَّ النظام الأميركي كان إلى حدٍّ ما مرتبطًا بإفرازات الصندوق الانتخابي، رغم نظام المُجمَّعات الانتخابية المعقَّد، إلَّا أنَّه الآن بات حتى هذا الطرح غائبًا عن الديمقراطية الأميركية المزعومة، التي تعتقل وتنكِّل بأبنائها بشكلٍ غير مسبوق؛ لأنَّهم يرفضون العبَث الذي تمارسه الإدارة الأميركية في الشرق الأوسط والمنطقة العربية. وأعود وأكرر أنَّ الفرصة الآن باتت سانحة أمام المستقلِّين من كافَّة الانتماءات السياسية الأميركية لإفراز بديل، يحافظ على أميركا كدَولة عظمى لدَيْها صوت مسموع حول العالم، وإلَّا ستكُونُ بداية النهاية الحقيقية لامبراطورية أميركا العظمى التي سيطرت على العالم لأكثر من (70) عامًا، فالخيار اتضح بعد (غزَّة)، إما إيجاد بديل ليس لدَيْه ولاء للصهيونية بنَوْعيها، أو الانغماس في حماية الصهيونية دون الالتفات للمصالح الأميركية التي تنهار حول العالم.

إبراهيم بدوي