الاثنين 13 مايو 2024 م - 5 ذو القعدة 1445 هـ
أخبار عاجلة

نبض المجتمع : ما بعد العاصفة

نبض المجتمع : ما بعد العاصفة
الاحد - 28 أبريل 2024 05:43 م

د. خصيب بن عبدالله القريني

20

من الأخبار المرتبطة بالتغيُّر المناخي التي قرأتها في الفترة الماضية والتي تدقُّ نواقيس الخطر، موضوع مرتبط بدرجات الحرارة على كوكب الأرض والذي يُشير إلى أنَّ شهر مارس لهذا العام ٢٠٢٤ يعَدُّ أعلى شهر بدرجات الحرارة لِشَهرِ مارس طوال السنوات المئة والخمسين الماضية؛ أي منذ بدء تسجيل ورصد درجات الحرارة، وهذا في الواقع دليل على تغيُّرات مهمَّة فيما يتعلق بالمناخ ليس أقلّها تلك الفيضانات التي تجتاح مناطق سيبيريا وروسيا وشمال كازاخستان. وبما أنَّنا جزء من هذا الكوكب، فبلا شك ستصيبنا هذه الكوارث، وستصنع تحدِّيًا جديدًا لنَا، لم يكُنْ ضِمن نطاق حساباتنا.

وما المنخفض الأخير إلَّا إحدى السلاسل التي تَدُوْر ضِمن هذا الفلك المناخي، وكلُّ ذلك يتطلب ـ بلا شك ـ تغييرًا في استراتيجيتنا في التعامل مع هذه الأنواء، فإذا كنَّا نعتقد بأنَّها تأتي فقط بعد سنوات عديدة، فالأمر ـ كما هو واضح ـ تغيَّر وتبدَّل، وآن الأوان أن نتعاطى معها وفق نظرية الاستدامة التي يتبناها كثير من الدول التي كانت وما زالت في مرمى الكوارث الطبيعية، ربَّما يثبت ما أود الحديث عنه حجم الخسائر التي خلَّفها هذا المنخفض، سواء البشرية أو المادِّية منها. ولِتجاوزِ الآثار بجميع أنواعها، سأسردُ مجموعة من المقترحات التي ذكرتُ بعضها في تغريداتي على منصَّة (x) والتي تمَّ تداولها من البعض لِمزيدٍ من التأكيد على أهمِّية تبنَّيها؛ لأنَّ الوضع ليس وقتيًّا كما كنَّا نظن، بل هو الديدن الذي سيستمر نتيجة المتغيِّرات المناخية العالمية.

أوَّلًا: فيما يتعلق بموضوع العمل والتعليم معًا يجِبُ التدرب من الآن وفق خطَّة ممنهجة للعمل والتعليم عن بُعد بحيث تكُونُ هنالك أيام مخصصة لذلك منذ بداية العام الدراسي، بحيث لا يكُونُ الأمر غريبًا وفجائيًّا على الطلبة وأولياء أمورهم عند التحوُّل المفاجئ نتيجة وجود منخفض جوِّي أو أيِّ ظرف كان. فوجود أيام محدَّدة شهريًّا طوال العام الدراسي يتمُّ تدريسها بالتعليم الافتراضي يسهل أمْرُ التحوُّل من التعليم المباشر للإلكتروني بسهولة ويُسر.

ثانيًا: فيما يتعلق بمجاري الأودية، نجزم واقعيًّا بصعوبة تعويض ونقل جميع أصحاب المنازل المتضرِّرة من الأودية، ولكن يُمكِن إيجاد حلول بتحويل مسار هذه الأودية كما عملت بعض الدول، وأيضًا إيجاد سدود حماية ومتابعة صيانتها؛ لِكَيْ لا تكُونَ وبالًا على الناس بدلًا من أن تكُونَ عونًا لهم.

ثالثًا: زيادة الوعي المُجتمعي بأهمِّية السلامة وقت حدوث الأمطار، فغالبية الخسائر البشرية التي حدَثت كانت نتيجة تساهل في تقدير الخطأ المحدق بها، ونتيجة المجازفة وعدم الصبر.. كُلُّ ذلك ينصبُّ في ضعف الثقافة المرتبطة بجوانب الطقس وأخطاره.

رابعًا: إسناد موضوع تحديد وقت الإجازة للجهة التي لدَيْها المعلومات الحقيقية والواقعية للحالة المناخية، والموضوع لا يرتبط فقط بالطلبة والمدارس، فهنالك موظفون أيضًا يجِبُ أن يشملَهم قرار الإجازة، فحالهم لا يختلف عن حال الطلبة أيضًا، والحل الأسهل تحويل الجميع للعمل والتعليم عن بُعد كما ذكرتُ في (أوَّلًا).

خامسًا: دعم الجهات الخاصة بالبلدية بالمعدَّات اللازمة لعملية إزالة الآثار التي تخلِّفها الأنواء المناخية، فكما هو ملاحظ قلَّة تلك الآليَّات في كُلِّ ولاية، وإنْ وُجِدَت فهي قديمة، يتضح ذلك من تأخُّر عملية المعالجة لِفترةٍ طويلة في أنحاء الولاية الواحدة.

سادسًا: تقوم الفِرق الأهلية بِدَوْر كبير في هذا المجال.. وعلى امتداد تاريخ الأنواء المناخية في سلطنة عُمان كانت الكلمة الأعلى لهذه الفِرق وما زالت. وإذا كانت الجوانب الإيجابية لعملِ الفِرق الأهلية لا تخفى على أحَد، أبرزها إظهار اللحمة الوطنية والتأكيد عليها، فإنَّ جهودها تحتاج إلى دعم مادي ومعنوي بالتوازي مع ما تقوم به من أعمال، والاعتماد عليها دونَ وجود جهود حكومية موازية لا يُمكِن أن يُحققَ الأهداف المبتغاة ولا يصنع منظومة متكاملة للعملِ.

إنَّ قدرتنا على تبنِّي استراتيجية واقعية عملية لِمُواجهةِ ما يُمكِن أن تُحدثَه الأنواء المناخية من أضرار لَهُوَ التحدِّي الأبرز الذي يجِبُ أن نعيَه جميعًا ونسعى إلى ترجمته على أرض الواقع.

د. خصيب بن عبدالله القريني

[email protected]