الاحد 12 مايو 2024 م - 4 ذو القعدة 1445 هـ
أخبار عاجلة

المواجهة الإيرانية ـ الإسرائيلية

المواجهة الإيرانية ـ الإسرائيلية
الاحد - 28 أبريل 2024 06:40 م

محمد بن سعيد الفطيسي

30

التحوُّل مِن الصراع المنضبط إلى التغيير في قواعد الاشتباك

العديد من وجهات النظر السياسية تؤكد ما يطلق عليه بحدوث تصعيد خطير في الشرق الأوسط خلال مقبل الوقت، مع ارتفاع سقف احتمالات قيام حرب بين «إسرائيل» والجمهورية الإيرانية كِنتاج طبيعي للأحداث التي بدأتها إسرائيل بضرب السفارة الإيرانية في دمشق وكان الردُّ الإيراني تاليًا بإطلاق العديد من الصواريخ والطائرات المسيَّرة باتجاه «إسرائيل»، والذي تلاه ثالثًا ردٌّ إسرائيلي بضرب الداخل الإيراني بحسب ما تناقلته العديد من وسائل الإعلام مِثل شبكة CNN.

على العموم ما يهمُّنا في الأحداث السابقة هو الهجمات المضادَّة وردود الأفعال البينية بين إيران و»إسرائيل»، ومآلات تلك السلوكيات والأحداث على استقرار وأمن منطقة الشرق الأوسط، خصوصًا أنَّ هذه البقعة من العالم لم تهدأ أصلًا منذ عقود طويلة نتيجة الصراعات والحروب، بالإضافة إلى ما خلَّفته أحداث السابع من أكتوبر في فلسطين المحتلَّة نتيجة العمليات العسكرية التي شنَّتها المستعمرة «الإسرائيلية» الكبرى، هذا إذا ما أخذنا في الحسبان مجموعة الأطراف ذات المصالح من التصعيد وانتشار الفوضى والتطرف مِثل الكيانات الإرهابية وتجار السلاح والمنتفعين من الأحداث بشكلٍ من الأشكال...إلخ.

عليه، نطرح السؤال الرئيس الآتي: هل يُمكِن أن يؤديَ التصعيد الإيراني ـ الإسرائيلي إلى حرب في المنطقة؟ وللإجابة عن هذا السؤال، يجِبُ التأكيد على أنَّ ما سأطرحه من رأي هو امتداد لِمَجموعةِ وجهات النظر السياسية للأحداث وليس تحليلات قائمة على معلومات وبيانات وتقنيات تحليلية علمية.

كما سأقوم وقَبل الإجابة عن السؤال السابق ـ من وجهة نظري الشخصية ـ بطرح بعض التساؤلات المساعدة على النحو الآتي: هل كان الردُّ الإيراني متناسبًا مع الضربة الإسرائيلية على السفارة الإيرانية وما خلَّفته من قتلى على المستوى القيادي؟ أم أنَّ الردَّ الإيراني كان مجرَّد رسالة بأنَّ إيران لا تخشى الردَّ على «إسرائيل» في أيِّ وقت وفي أيِّ مكان ومهما كانت النتائج؟ هل الردُّ الإسرائيلي على الضربات الإيرانية بحسب ما تناقلته وسائل الإعلام وبالتنسيق مع الولايات المُتَّحدة هو أيضًا رسالة إسرائيلية تؤكد أنَّ «إسرائيل» لا تخشى ضرب العُمق الإيراني؟

على ضوء ما سبق ـ ومن وجهة نظري ـ أجد أنَّ مُجمل الأحداث وردود الأفعال السياسية والعسكرية بين أطراف الأزمة لا ترقى إلى مرحلة التصعيد الذي يُمكِن أن ينتجَ عنه حرب مباشرة إلى الآن على أقلِّ تقدير رغم الخسائر البشرية والمادِّية، وأنَّ ما حدَث لا يتجاوز الرسائل العسكرية التي تفيد مقدرة الطرفين على الردِّ في عُمق الطرف الآخر، ولعلَّ ذلك نتيجة معرفة كُلِّ طرف إمكانات الطرف الآخر، وأنَّ الحرب الشاملة ليست في صالح الطرفَيْنِ أبدًا، يضاف إلى ذلك التدخلات الدولية التي كان لها دَوْر كبير في التهدئة المؤقتة؛ لأنَّ الخسائر من أيِّ تصعيد وتوسُّع دائرة الفوضى والصراع ستكُونُ تكلفته كبيرة للغاية على جميع دوَل العالم.

ماذا سيحدث تاليًا؟ ربَّما هو السؤال الأهم الذي يُمكِن أن يجيبَ على مستقبل الأحداث بين الطرفين؛ وبتصوُّري الشخصي أنَّ المَعنيَّ بالإجابة عنه الآن هو الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ لأنَّ الكرة في ملعبها نتيجة الردِّ الإسرائيلي الأخير بالمسيَّرات أيضًا على مُجمَّع للصِّناعات العسكرية الدفاعية في أصفهان بحسب تأكيدات العديد من وسائل الإعلام، بالإضافة إلى الرواية الإيرانية، مع التأكيد على عدم وجود أيِّ نتائج أو خسائر إيرانية جرَّاء هذه الضربة (الرسالة الإسرائيلية الشكلية لا أكثر) على الداخل الإيراني، وهل ستواصل إيران ردود الأفعال على الردِّ الإسرائيلي الأخير؟ أم ستكتفي بالضربة التي وجهتها لإسرائيل؟ بتصوُّري أنَّ الضربة الإسرائيلية لم تكُنْ سوى ردَّة فعل لِحفظِ ماء الوَجْه، بل ومُخطَّط لها لِتكُونَ كما هي وبالتنسيق مع الولايات المُتَّحدة الأميركية، فهي من جهة قامت بالردِّ على الضربة الإيرانية وفي الداخل الإيراني وعلى منشأةٍ لها أهميتها، وفي الوقت نَفْسه لم تؤدِّ الضربة إلى آثار خطيرة يُمكِن أن تدفعَ إلى توسع دائرة التصعيد أو إعطاء إيران ذريعة للمُضي في برنامجها النووي، أمَّا من الجانب الإيراني فهي أيضًا سهَّلت عليه الترويج بأنَّ الهجوم الإسرائيلي لم يتسبب في أيِّ أضرار، وبالتَّالي ليس من الضرورة الردُّ على الضربة الإسرائيلية.

ختامًا. يُمكِن التأكيد على أنَّ ما حدَث بين إيران و»إسرائيل» خلال الأيام الماضية من تبادل لِرُدودِ الأفعال العسكرية في العُمق رغم شكليتها على غير العادة هو سابقة وتغيير في قواعد الاشتباك لم تحدُث من قبلُ في الصراع المنضبط بين الطرفين، ورغم ذلك فإنَّ أقرب سيناريو مقبول إلى لحظة كتابة هذا المقال هو اللجوء إلى التهدئة والاكتفاء بردود الأفعال السابقة بين أطراف الأزمة.

محمد بن سعيد الفطيسي

باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية

رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية

MSHD999 @