الخميس 09 مايو 2024 م - 1 ذو القعدة 1445 هـ
أخبار عاجلة

تعبيرات قرآنية أضافها القرآن الكريم إلى اللغة العربية «سقط فـي يده» «2»

الأربعاء - 24 أبريل 2024 04:06 م
30

.. وقد أوضح السيوطي ما حذف من التركيب، وبين جمال القراءة، فقال:(وَلَمَّا وسُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ) أي: ندموا على عبادته، (وَرَأَوْا) أي: علموا، (أَنهُمْ قَدْ ضَلُّوا) بها، أي: بعبادتهم غير الله من العجل الذي صنعه لهم السامري بها، وذلك بعد رجوع موسى، (وقَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا) بالياء والتاء فيهما، أي: في الفعلين:(يرحمنا وترحمنا، ويغفر لنا وتغفر لنا)، أي: إن لم يرحمنا ربُّنا ويغفر لنا ربُّنا ..(أي: أن ربنا هنا الفاعل وليس منادى)، وفي قراءة التاء أي:(إن لم ترحمنا يا ربنا، وتغفر لنا يا ربنا) (فهو منادى، وليس فاعلًا)، ثم أتى التذييل:(لَنكُونَّنَ مِن الخاسرين) بما فيه من اللام الواقعة في جواب القسم، والفعل المؤكد وجوبًا بالنون الذي يدلُّ على تأكدهم من عقاب الله لعبادتهم العجل، وإشراكهم بالله، وهو كناية عن ندمهم الكبير، وأساهم، ووجلهم من عقاب الله، وخوفهم من عذابه.

وأكد الشيخ السعدي في تفسيره، فقال:(وَلَمًّا سُقِطَ في أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنهُمْ قَدْ ضَلُّوا): وَلَمَّا رجع موسى إلى قومه، فوجدهم على هذه الحال، وأخبرهم بضلالهم ندموا، (وسُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ) أي: من الهم، والندم على فعلهم، (وَرَأَوْا أَنهُمْ قَدْ ضَلُّوا) فتنصلوا إلى اللّه، وتضرعوا، (وقَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا) فيدلنا عليه، ويرزقنا عبادته، ويوفقنا لصالح الأعمال، (وَيَغْفِرْ لَنَا) ما صدر منا من عبادة العجل (لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) الذين خسروا الدنيا والآخرة.

فهذا التعبير:(وَلَمًّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ) أي: ندموا على عبادة العجل، تقول العرب لكل نادم على أمرٍ ما: قد سقط في يديه، وأضاف المعجم الوسيط المعنى اتساعًا، وإحاطة، فجاء فيه:(سُقِطَ في يده: ندم، وتحير)، وفي التنزيل العزيز:(ولما سقط في يده)، وأسقط في قوله، أو فعله: أخطَأ وزَلَّ، ويقال:(تكلَّم فما أسقط في كلمة: أيْ ما أخطأ، وأسقط له: خاطبَه بسَقَط الكلام...، وأسقط في يده: سُقِطَ).

وزاد الواحدي في (البسيط) وهو يفسر معنى:(ورأوا) تفسيرًا بلاغيًا رائعًا، حيث اختار الرؤية البصرية لا العلمية، وبين الحادثة بجميع جوانبها وأسباب عقاب الله لهم فقال:(.. ثم بيَّن ـ سبحانه ـ ما كان منهم بعد أن رأوا ضلالهم، فقال تعالى:(وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا، قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) أي: وحين اشتد ندمهم على عبادة العجل، وتبيَّنوا ضلالهم واضحًا كأنهم أبصروه بعيونهم قالوا متحسرين:(لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) أي: لنكونن من الهالكين الذين حبطت أعمالهم.

وكان هذا الندمُ منهم بعد رجوع موسى (عليه السلام) إليهم من الميقات، وقد أعطاه الله التوراة، بدليل أنه لما نصحهم هارونُ بترك عبادة العجلِ قالوا:(لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى)، وبدليل أن موسى (عليه السلام) لما رجع أنكر عليهم ما هم عليه، وهذا دليل على أنهم كانوا مستمرِّين على عبادته إلى أن رجع موسى إليهم، وبصرهم بما هم عليه من ضلال مبين، وقال ابن جرير الطبري:(وكذلك تقول العرب لكل نادم على أمر فاتَ منه، أو سلف، وعاجز عن شيء: قد سقط في يديه وأسقط، وهما لغتان فصيحتان).

وزاد الأسلوب إيضاحًا، نقلًا عن (تاج العروس)، وعن (العباب)، وذكر ما سبق أن قلته في ابتداء الحديث: إنه من إضافات القرآن الكريم، وأن القرآن هو صاحب تلك الأساليب الجديدة على لغة العرب، قال الطبري:(وكأن أصل الكلام: ولما سَقَطَتْ أفواههم في أيديهم، أي ندموا أشد الندم).

د.جمال عبدالعزيز أحمد

 كلية دار العلوم ـ جامعة القاهرة - جمهورية مصر العربية