الاثنين 06 مايو 2024 م - 27 شوال 1445 هـ
أخبار عاجلة

ما أشبه اليوم بالبارحة

ما أشبه اليوم بالبارحة
الأربعاء - 24 أبريل 2024 05:02 م

جودة مرسي

30


حين ننظر إلى المكوِّن الرئيس المساعد لعدوان جيش الاحتلال (الإسرائيلي) على أبرياء غزَّة العزَّة، المكوّن من دول غربية تَعد هذا الكيان امتدادًا لها ولِمَصالحِها فألْقَتْ بذرته في أرضنا العذراء فأنبت شيطانًا رجيمًا، لِتقودَنا الذاكرة إلى الربط بين الماضي والحاضر، أو مقولة ما أشْبَه اليوم بالبارحة. فليس من الصدفة أن تكُونَ الدولة صاحبة الوعد البلفوري أحَد الداعمين وبقوَّة في الحرب التي يشنُّها جيش الاحتلال على أبرياء العالم وأنقى ما فيه، فنتذكر مقولة للسِّير جوليان هكسلي (أول مدير لليونسكو في تاريخه)، عالم البيولوجيا الذي احتقر الفقراء ووصفهم بأنَّهم كائنات منحطَّة من الناحية الوراثية والجينية، وطالب في مقال بعنوان «العالم المزدحم» بتخفيض أعدادهم وإخلاء العالم من غير المفيدين. وبالطبع هو لا يحتاج إلى تفنيد المعاني والبحث فيها لاستنتاج الفعل الحَرفي لهذه الكلمات، وما يصاحبها من نظرة عنصرية خلال عقود عانى ويعاني منها الكثير من الأُمم، في القلب منها فلسطين ضحايا الأمس واليوم، ولا ينفك يتركنا التاريخ ويمضي إلَّا وتكثر الذكرى بمكوِّن آخر في تحالف الاعتداء على أبرياء غزَّة، بحقيقة الأوضاع التي حدثت الأمس وهي شبيهة لِما يحدُث اليوم من الداعم الرئيس للكيان المحتل ويمدُّه بالمال والسلاح والمواقف وكُلِّ ما يُمكِن أن يدعمَ العدوان لِحربِ الإبادة الجماعية، وهي الدولة التي قتلت أكثر من (10) ملايين سوفيتي، ودمَّرت مُعْظم المُدن الأوروبية تدميرًا كاملًا خلال الحرب العالمية الثانية، ثم انتهى المطاف بها في نهاية الأمر إلى الهزيمة الكاملة وانقسامها إلى شطرين شرقي وغربي والقضاء على أيديولوجيتها النازية، وهذا تقريبًا نَفْس السيناريو الذي يحدُث أمامنا اليوم حيث آلاف الشهداء الذين ارتقوا على يد الاحتلال المدجج بأحدث الأسلحة والعتاد والمحمي بقرارات الفيتو الأميركي الذي يدَّعي أنَّه الوسيط السَّاعي لِحَلِّ الدولتين، لِتفندَ هذه الأكذوبة بحقيقة أنَّه فقط وسيط لِطَرفٍ واحد. ففي نَفْس اليوم الذي يستخدم الفيتو الرافض لِتَمريرِ مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي والذي يوصي الجمعية العامة بقَبول دَولة فلسطين عضوًا في الأُمم المُتَّحدة، وافق مجلس النوَّاب الأميركي على حزمة المساعدات الجديدة الضخمة والتي تبلغ (26.4) مليار دولار لمساعدة جيش الاحتلال في حرب الإبادة على أهالي غزَّة العزَّة. كُلُّ هذه الصور القاتمة تأتي من دوَل تُسهم في فناء دَولة وشَعبها لِصَالحِ كيان محتلٍّ لِتشكِّلَ صدمة عالمية لشعوب تلك الدول، وفضيحة عالمية للإنسانية والضمير العالمي، ومَن لا يصدِّق يشاهد الفضائيات التي تؤكِّد خروج مئات العواصم العالمية في مظاهرات ضدَّ العدوان والإبادة الجماعية، والذي يخالف الموقف الرسمي لِحكوماتِ تلك الدول التي وقفت مع العدوان، ويُشاطرها الإثم هؤلاء الخائفون الهاربون من المواجهة، وتوارت عن أبرياء غزَّة الذين تكسرت براءتهم وأحلامهم أمام مشهد الموت والبشاعة وخرافة الوساطة الأميركية والديمقراطية الأوروبية، إلَّا أنَّه وببصيرة الواقع الحالي نبشر أصحاب هذه المواقف أنَّ هناك جيلًا رابعًا لِلمُقاومةِ الفلسطينية يُشكِّل امتدادًا لِرجالِ اليوم أكثر قوَّةُ وتصميمًا على تحرير الأرض وأكثر عُمقًا وفهمًا واستعدادًا لِمُحاربةِ الاحتلال والقضاء عليه. إنَّ هذا الجيل الرابع الذي تفتَّحت عَيْناه على تطاير أشلاء أهله وذويه وجيرانه وأصدقائه بدم بارد أنتج أمامهم واقعًا جديدًا يحكمه اليُتم والجوع والمرض والخيانة من المُجتمع الدولي بأنظمته وحاكميه من بعض الأصدقاء أو الأشقاء. والأكيد أنَّ من نتائج الأحداث التي نعيشها الآن سيجرى الزمن سريعًا في تحلل النظام الدولي واستقبال نظام عالمي جديد تتضح معالمه قريبًا شريطة تخلِّي بعض الأنظمة التي فضَّلت الصَّمت والانتظار عن الصَّبر الاستراتيجي، لِنتخلصَ من النظام العالمي القاتل، حتى لو لم يطلق بنفسه الرصاصة، لكنَّه ليس بريئًا من التحريض على القتل والعنصرية. إنَّ الصورة رغم بشاعتها وتأثيرها المؤلم، ومهما دجّج كيان الاحتلال بترسانات الأسلحة «الذكية» من شركاء الإثم والدم، فإنَّه لن يستطيعَ التحكم في الردِّ الآتي إليه من جيل الانتفاضة الرابع نتيجة المشاهد التي تضخُّ في ذاكرته كُلَّ يوم من قتل وجوع وتشريد؛ لأنَّ كُلَّ هذا الزحام من المآسي سيجعل هذا الجيل يرمي خلْفَه كُلَّ أغصان الزيتون ويكره السلمية ويمقتها بحثًا عن الثأر عابرًا على كُلِّ شيء قد يوقف عجلة الانتقام ممَّن ساعد وفعل بعد أن تشبَّعَ بحقيقة ما حدث وما يحدث.

جودة مرسي

من أسرة تحرير « الوطن»