الجمعة 03 مايو 2024 م - 24 شوال 1445 هـ
أخبار عاجلة

صلاح السعدني للفن قيمة .. وللفنان رأي

صلاح السعدني للفن قيمة .. وللفنان رأي
الثلاثاء - 23 أبريل 2024 07:55 م
20


بوفاة الفنان المصري صلاح السعدني، يفقد فن التمثيل والدراما المصرية علما آخر من أعلامه، وعلى الرغم من الاختفاء (الطوعي) لصلاح السعدني على مدار السنوات الماضية، قضاها في منزله وسط أبنائه وأحفاده، مفضلا الاحتجاب والاستمتاع بتقاعده عقب عرض مسلسله الأخير (القاصرات) في العام ٢٠١٣م، إلا أنه ظل حاضراً في وجدان محبيه، سواء من جمهور الدراما العربية أو زملائه، الذين يذكرونه دائما بامتنان وتقدير كبيرين.

ومثل أبناء الجيل الذي انتمى له السعدني، فقد نهل من خبرات (جيل الأساتذة)، من سبقوه في عالم التمثيل، في المسرح والسينما، وجيل الأساتذة المشار إليه نشأ وتشكل في ظلال الليبرالية المصرية التليدة والتي ازدهرت حقبتي الثلاثينيات والأربعينيات، ولحق جيل الوسط رذاذها في الخمسينيات والستينيات، كما استفاد السعدني من انطلاق البث التليفزيوني المصري بداية الستينيات، وشارك في العديد من المسلسلات والمسرحيات، والقليل من الأفلام السينمائية، أدوار صغيرة ولكنها مؤثرة، مما أتاح له فرصة مهمة للتعلم والترقي التدريجي في مهنته، رفقة صديقي عمره، سعيد صالح وعادل إمام، فقد شغلهم الفن صغاراً، فانطلقا في المسرح المدرسي لتقديم العديد من الأعمال على مستويات الهواية، انتقلا منه إلى مسرح الجامعة، تحديداً كلية الزراعة، وفيها جذبا السعدني الى المسرح، حيث تشكلت لدى السعدني ورفاقه قناعة راسخة باحتراف فن التمثيل، وفي هذا قال الراحل سعيد صالح: إن لم ندخل وقتها مجال الفن، كان مصيرنا السجن!

ارتبط الجمهور بصلاح السعدني ارتباطاً شخصياً للغاية، ليس لقيمته الفنية أو لأنه ممثل فذ، على كبر موهبته وتفردها، ولكن ارتبط الجمهور بالسعدني لأنه قريب من الناس، لم يكن السعدني اخلاقياً ثقافاوياً متقعراً، مثل بعض الفنانين، كما آثر السعدني ألا يطغى مهنياً وجماهيرياً مثل آخرين، ولكنه فضل أن يكون حقيقياً وصادقاً، والأهم أنه لم يكن (فنان وظيفي)، (السعدني) وعي جيداً حدود الفنان، وفهم ألاعيب استغلال المشاهير والنخب في تثبيت المواقف وتدجين الناس، ولعل هذا أحد أسباب احتجابه، فاحترمته الناس، ولم يختلف على شخصه أحد.

صلاح السعدني، المثقف الموسوعي والمتحدث اللبق، والقريب من الخلق، لاعتبارات كثيرة، أهمها نشأته البسيطة في حي الجيزة الشعبي، إحدى الوجهات المهمة لاستقبال نازحي الأقاليم المصرية، من بحري أو الصعيد، وسط أسرة بسيطة هاجرت من ريف الدلتا للسكن في الجيزة، بين النيل ومحطة القطارات، تلتمس الرزق والفرص في (مصر) كما يطلق مهاجرو الأقاليم على القاهرة، والتي تمثل لهم الحلم والقهر في آن.

لم تخرج الجيزة من السعدني مثل آخرين، خرجوا من أحياء النشأة الأولى وانتزعوها من أحشائهم، ولكن ظل السعدني مع الناس، حتى وإن فارقهم وتصعد سلم النجومية، يمشي معهم، ويوجههم، وينير لهم ما التبس عليهم.

ومن أهم المؤثرات في مسيرة (العمدة) كما يلقب السعدني، أخوه الصحفي والكاتب الكبير محمود السعدني، وارتبط اسماهما كثيراً، نظراً لما تثيره بعض التحليلات بشأن أسباب تباطؤ مسيرة السعدني الفنية فترة انطلاقته، والتي ادعى البعض أنها بسبب علاقة أخيه الكاتب محمود السعدني المتوترة بالرئيس الراحل محمد أنور السادات، رحمه الله، وهو أمر منافي للحقيقة، نظراً لكثافة الحضور الفني للسعدني فترة السبعينيات، ولاسيما فيما أنتجه التليفزيون المصري من مسلسلات ومسرحيات، بالإضافة لبعض الأفلام السينمائية التي أدى فيها السعدني أدواراً متعددة. وبالحديث عن الأسباب الحقيقية لحالة التباطؤ الفني المشار إليها، فقد تحدث السعدني عنها بصراحة ووضوح في أكثر من لقاء صحفي وتليفزيوني، وبصدق معتاد، أشار فيها إلى مواصفات (نجم الشباك) وعوامل حضوره في وجدان الجماهير، وأشار إلى أن له حدود في قبول الأدوار، وكذلك الاندماج في مجتمع الفنانين، قد تكون أسباب منطقية لمحدودية انتشاره على مستويات الدراما والسينما وعدم تصدر (الأفيش). وعلى الرغم من اشتراطات صلاح السعدني لتقديم أعمال تليق بما يحمله من أفكار ونسق قيمي، حدت من انتشاره (التجاري) مثل غيره، إلا أن إرث (السعدني) الفني، القليل على موهبته الكبيرة، أثر في وجدان جمهور الدراما العربية بصورة فائقة، فقد ترك صلاح السعدني أدواراً قيمة، في مسلسلات مهمة مثل هارب من الأيام ولا تطفئ الشمس وليالي الحلمية وأرابيسك وقهوة المواردي وحلم الجنوبي، وأفلام مثل الأرض والمراكبي وطالع النخل وزمن حاتم زهران. على عظيم ما تركه الفنان صلاح السعدني من إرث فني، شكل وجدان قطاعات عريضة من الناس، إلا أن إرث (السعدني) الحقيقي تمثل فيما رآه الناس فيه، من بساطة وتلقائية وروح مصرية، نادرة ومفقودة في كثير من أبناء المهنة، المعتمدة على حب الظهور والمنظرة والتنافسية الشديدة، انعكس ذلك بوضوح في تعليقات زملائه عقب وفاته، من أحبهم وشجعهم، برضا وإيثار، يضاف الى تقديره الكبير للفن كهدف، ولقيمة رأي الفنان وخطورة تأثيره.. ولهذا أحب الناس صلاح السعدني وأجمعوا على شخصه. رحمة الله عليه، فقد عاش ومات خفيفاً، على العين والقلب..

محمد مصطفى 

صحفي مصري