السبت 04 مايو 2024 م - 25 شوال 1445 هـ

الدبلوماسية الاقتصادية ومنهجية التخطيط والتنفيذ «2»

الدبلوماسية الاقتصادية ومنهجية التخطيط والتنفيذ «2»
الثلاثاء - 23 أبريل 2024 06:25 م

د. سعدون بن حسين الحمداني

20


الاقتصاد في كُلِّ دول العالم يعتمد على نظريات ومدارس المعسكر الغربي الذي تقوده الولايات المُتَّحدة الأميركية وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، وكذلك الدول التي تسير في فلكها مِثل: كندا والمكسيك.. وغيرهما، والمعسكر الشرقي والذي يقوده آنذاك الاتحاد السوفيتي (روسيا الاتحادية حاليًّا) والصين، وكذلك الدول التي تسير في فلكهما في أوروبا الشرقية وبعض من دوَل العالم الثالث. تأسَّست حركة دول عدم الانحياز عام 1961 (مؤسِّسو هم نهرو، جمال عبد الناصر، تيتو) في بلغراد لِتكُونَ قوة اقتصادية بين القطبين الشرقي الشيوعي ـ إن صحَّ التعبير ـ والرأسمالية الغربية، وبدأت المدارس بهذين القطبين تنشأ وتؤسِّس مفاهيم الدبلوماسية الاقتصادية لِغَرضِ رفاهية شعوبهم ودعم الموازنات المالية الختامية للبلدان، وتعزيز الخطط التنموية السنوية أو الخمسية في بعض البلدان، معتمدين على عدة عوامل ومقررات لِغَرضِ تطبيق مفردات الدبلوماسية الاقتصادية، معتمدين على استراتيجيات الأقطاب التي تمَّ إيضاحها في أعلاه. المعسكر أو المدارس الغربية أثبت نظرياتها وتطبيقاتها ومنهجية قيادتها في التخطيط والتنفيذ والمتابعة، مستندين إلى عدة عوامل وأهمها:(الموارد البشرية، الموارد الطبيعية، الصلاحيات والمهام، التخمينات المالية المرصودة).. وغيرها من أساسيات الدبلوماسية الاقتصادية والتي لا مجال لِذكْرِها في هذا المقال المتواضع. اعتمد المعسكر الغربي على كثير من المفردات العلمية الأكاديمية ضِمن مفاهيم الدبلوماسية الاقتصادية، ومنها ضمن (رأس المال) الذي يقود الابتكار. ولا يقصد برأس المال هو المبالغ النقدية أو ما تملكه الشركة أو الجهة الحكومية، وإنَّما يقصد به جميع مجالات وفروع الاقتصاد. ويقسَّم رأس المال إلى مبادئ جوهرية ومنها:(الموارد البشرية وهم من الخبراء والمختصين والكفاءات العلمية)، أما المبدأ الثاني فهو (الموارد الاقتصادية التي تدعم الأفكار والبرامج والمشاريع التي سوف تنفذ). تميَّزت وتفوَّقت المدرسة الغربية في أوائل القرن التاسع عشر كثيرًا عن المعسكر الشرقي والتي سيطرت على التجارة العالمية من خلال اعتمادها على أدوات البعثات الدبلوماسية الخارجية مستلهمةً إحصائيات وأرقامًا تخدم مصالحهم وخططهم المنهجية ضِمن أدوات مختلفة المعالم. فعلى سبيل المثال: شركة بوينج (The Boeing Company‏) هي شركة أميركية متعددة الجنسيات لِصناعَةِ الطائرات، يقع مقرُّها في مدينة شيكاغو، وهي تأسست الشركة في الـ(15) من يوليو1916 م، وتعَد الشركة الآن من أكبر الشركات العملاقة في العالم، خصوصًا بعد اندماجها مع شركة تصنيع الطائرات ماكدونالد دوجلاس عام 1997م، التي اعتمدت على المبدأ الأول وهو الموارد البشرية من مختلف الجنسيات بعيدًا عن التخندق الوطني لِغَرضِ تحقيق الأهداف التي رسمتها الشركة. وفعلًا بدأت البعثات الخارجية بالتعاقد مع الخبرات الأجنبية من مختلف الجنسيات والمطلوبة لدى الشركة لِتَحقيقِ أفضل ما يرنو له الرؤساء التنفيذيون. وتلاشت هذه الهيمنة الاقتصادية عن المعسكر الغربي في نهاية القرن التاسع عشر بسبب ظهور وتنافس وتميُّز تجاري واقتصادي راقٍ جدًّا، ألا وهو مبادئ المعسكر الشرقي الذي يعتمد مبدأ الاحتفاظ بالهُوِية الوطنية والموارد البشرية المحلية، مستبعدًا الاستعانة بالخبرات الأجنبية، وهو ما أثبتته المدرسة الشرقية المتمثلة بالعقلية الصينية، حيث ينقسم المعسكر الشرقي إلى عدَّة مدارس ومنها:(مدارس ونظريات لينين، ماركس، ماو)، حيث اشتهر الرئيس الصيني ماو (وهو شيوعي صيني ومؤسِّس جمهورية الصين الشَّعبية، والتي حكمها من خلال قيادته للحزب الشيوعي الصيني منذ تأسيسه عام 1949م وحتى وفاته عام 1976م) بـ(أيديولوجيته الماركسية اللينينية)؛ إذ شكَّلت كُلُّ هذه الأفكار مبادئ الدبلوماسية الاقتصادية بكافَّة فروعها الداخلية والخارجية التي باتت بعد نحو (7) عقود ـ وهي الآن واحدة ـ من أسرع دول العالم نموًّا وأكبرها من حيث الصادرات على الإطلاق. اهتمَّت الصين بمبدأ الشركات والمؤسسات الصغيرة العائلية والفردية، وتقديم الدعم غير المحدود لها ضِمن برامج محدَّدة لها وتوقيتات مدروسة وإنتاجية ذات كفاءة أكاديمية معلومة لِتغزوَ العالم خلال بداية هذا القرن، وتصبحَ الدَّولة الأولى بالاقتصاد وتنفيذ نظريات وأهداف الدبلوماسية الاقتصادية، حيث قدَّمت البعثات الخارجية دراسةً مستفيضة على ساحات عملهم من حيث أجور العاملين والكلف الإنتاجية، فكانت البعثات تزوِّد الجهات الصينية الصناعية بتفاصيل دقيقة خلال وجودهم في ساحة عملهم، لذلك ترى مصانع الصين انتشرت في دول العالم الثالث وكذلك أميركا، حيث استثمرت مبلغ (360) مليون دولار بعد شرائها منشأة كانت مخصَّصة لِتَجميعِ الشاحنات التابعة لشركة جنرال موتورز في مايو 2014م. وقد أحيا تدفُّق الاستثمار الصيني الآمال للآلاف من السكَّان المحليين، والذين خسروا وظائفهم في عام 2008م عندما أغلقت شركة جنرال موتورز إحدى منشآتها في دايتون، حيث أدَّت البعثة الخارجية الصينية دَوْرًا مُهمًّا في إبراق المعلومات الاقتصادية حول إغلاق هذه المنشأة إلى الصين والتي بادرت من طرفها للاستثمار بها، وتحقيق أرباح خيالية بالسوق الاقتصادي الأميركي.

د. سعدون بن حسين الحمداني

دبلوماسي سابق والرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت