السبت 04 مايو 2024 م - 25 شوال 1445 هـ

هل تفضل «الحضرية» أم «الريفية»؟

هل تفضل «الحضرية» أم «الريفية»؟
الثلاثاء - 23 أبريل 2024 06:21 م

أ.د. محمد الدعمي

20


ثمَّة مأزق طالما تخطَّاه الاجتماعيون العرب دون رصدٍ أو بحثٍ، وقوامه أزمة «المرأة الحضرية» في العالم العربي. وهنا، أحاول أن ألقيَ الضوء عليه في هذه المقالة القصيرة، بقدر معرفتي المتواضعة وحال أُسرتي التي منحتني عدَّة شقيقات من أبدع ما يكُونُ ثقافةً وإرادةً واعتدادًا بالنَّفْس (والحمد لله).

أما المأزق الذي رصدتُه من وحي تجربة حياتية وعملية طالت عقودًا، فقوامه شعور «بنات» المدينة بنَوْع من التفوق على شقيقاتهن «بنات» الأرياف. هذا التفوُّق المفترض يُشكِّل «عقدة تفوُّق» Superiority complex من نَوْع ما: إذ تشعر البنت الحضرية (ابنة الحاضرة أو المدينة) بأنَّها أعلى مرتبة من شقيقتها ابنة المزارع أو الفلاح في الريف، ذلك الريف الذي تسودُه قِیَم العشیرة، وربَّما «قِیَم البداوة» التي طالما اخترقت تحوُّل الإنسان من طور البداوة المرتحلة، إلى طور الاستقرار والاعتماد على الزراعة.

وإذا كانت هذه النقلة الاجتماعية النَّوْعية مهمَّة للغاية بقدر تعلُّق الأمر بالنّسوة في الأرياف، فإنَّها لا تقلُّ أهمية «تاريخية» عن نقلة الإنسان والمُجتمع من الريف إلى المدينة.

وهنا تتجسد الفجوة أو الشرخ المؤلم الذي تعاني منه النساء (الحضريات) في المُدن العربية: إذ يذهبن إلى المدارس، ثم يلتحقن بجامعات وكليَّات (مختلطة) تجعلهن يتطلعن إلى وجود اجتماعي أكثر تفتحًا وتحررًا من واقع وجودهن المديني (نصف الحضري ونصف البدوي)، ناهيك عمَّا يقدِّم الإعلام والتلفاز لهنَّ من أفلام أجنبية ومصرية وهندية مغايرة لواقعهن تؤدي (في نهاية المطاف) إلى تطلعهن لوجود نسائي في إناء اجتماعي متحرِّر، هو أبعد ما يكُونُ عن وجود أخواتهن في الأرياف، ناهيك عن وجود قريناتهن المسكينات في البوادي.

لهذه الأسباب، من بين سواها، تحدُث الرجَّة الثقافية ـ النَّفْسية التي تهزُّ كیانهنَّ، خصوصًا عندما يخترن التصرف أو السلوك، خصوصًا المفرط بالتحرر والذي غالبًا ما يرتطم بعنف (قاتل أحيانًا) مع تقاليد وانساق البداوة الاجتماعية المتواصلة في عالمنا العربي حتى اليوم، منذ حقبة ما قبل الإسلام. ودليل ادعائي هذا هو بقاء أعراف وممارسات من نَوْع الثأر والانتقام والقتل بعنوان «غسل العار»، من بين سواها من بقايا ممارسات طور البداوة التي لا يُمكِن أن تُمحى ببضعة أنظمة وقوانين وتشريعات سطحية تفرض من الأعلى!

أ.د. محمد الدعمي

كاتب وباحث أكاديمي عراقي