السبت 04 مايو 2024 م - 25 شوال 1445 هـ

نبض طبيب : بين الحيرة والقرار

نبض طبيب : بين الحيرة والقرار
السبت - 20 أبريل 2024 05:18 م

د. رقية بنت إسماعيل الظاهرية

40


يقف الإنسان المقذوف في هذا العالم أمام مسرح الأبدية باتِّجاهات متقاطعة متناقضة، وقد تكُونُ متوازيةً أحيانًا، تصطدم فيه الأهواء ورغباتنا بين مَدٍّ وجَزْرٍ تجد نَفْسَك في مفترق طُرق مَسير تتذبذب فيه بِحَيْرة لِتسطِّرَ ملحمةَ ما هو مكتوب في قدرك. منذُ خلقَنا الله ونحن أمام مفترق وخيارات منها ما هو وعِر، ومنها ما هو سهل، منها ما هو مظلم، ومنها ما هو مضاء، وأنت مطالب بأنْ تتخذَ الطريق الأجمل.

تقفُ حائرًا بين الشَّكِّ واليقينِ، كيف ستتَّخذ القرار؟ هل ستُسعفك نافذة بصيرتك؟ أم سيشد إزرك حدس قلبك؟ كم من مرَّة اختبرتك الحَيْرة وأنت تائِه في ظلام دامس لا تستطيع أن تقرِّرَ ولا تدرك ما هو الأصلح؟؟

ولَطالما كانت الحَيْرة بداية السؤال ومرادفةً للدَّهشة، ودافعةً للتفكير ولاستنباطِ الترابطات، وإماطةً للثام، وحلَّ المشكلات، وهي أيضًا منبعٌ لِلأمَلِ ومُحرِّك للانطلاق لِيستكشفَ الإنسان حياته، فعندما يتوقف السؤال تسقط الإجابة، لذلك تجبرك الحَيْرة على التفكُّر لِتقتنصَ الحقيقة بين الالتباس واليقين.

كُلُّ ما يصبو إليه الإنسان هو التفضيل بين الاختيارات لِيظفرَ بقرارٍ صائبٍ، ولكن تعقيدات لعبة الحياة ليست سلسةً ولا توجد لها إجابات متعدِّدة كأسئلة الامتحانات لا تستطيع أن تتكئ فيها على فطنتك فقط، بل حلُّها بين مَدِ نور البصر والبصيرة تختبر كفاءة حدسك ورجاحة تجاربك لِترسوَ بوصلتك بحكمة نافذة نحو الصواب، فتصلِّي بعدها في محراب ثباتك بإيمان، فترجَّلْ مسؤولية رسم إحداث حياتك وملامح مستقبلك باختبارٍ يحبس أنفاسك، يحرمك من ترَف الأدلَّة، تتوجَّس فيه من قرار يأخذك بتذكرة سفَر دُونَ إياب، من قرار يسهد عَيْنَيْك ويلتهم سكونك بين الخوف من الماضي والمستقبل وكأنَّ ناموس الكون بكافَّة جوانبه، وحكايتنا في هذه الرحلة السرمدية منذ الأزل بُنِيَت على مفترق ولك أن تختارَ لِقَولِه تعالى «وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ». منذ أبدية الإنسان وهو مُخيَّر بين الحقِّ والباطل، بين المَحبَّة والكراهية، بين الأنانية والتضحية، فهذا هو الكَبَد الذي خُلقنا فيه.

سيتوقَّف بنا الزمان لِبرهةٍ بانزلاقات بين واقعنا والأماني التي لم تجد نورًا لمسارها، وسنصطدم بقراراتنا أحيانًا، وستزجُّ بنا في مستنقعات لا تُشبهنا تُداهم أحلامنا، وسيَبحُر بنا التيَّار إلى مرفأ اللامكان، كُلَّما جدفت تباغتك الحياة لِتقرصنَ سفينتك، وتطفوَ على سطحك الأوجاع، وتثبطَ عزيمتك لِتجدَ أنَّ محاولاتك للانتصار جميعها باءت بالفشل، فتُمسي هشًّا وحسَّاسًا، ورغم ذلك تولَدُ من جديد لِتكسرَ القيود، وتتحرَّرَ من وسادة الضَّنك وسطوة الوجع، لِتخرجَ للعالم بقوَّة تُقاوم تلك الهوَّة التي نهشَتْ قلْبَك، لِتحرسَ شغفك من الاغتيال وتوقظَ ما تبقَّى من أحلامك، تبني ما هو الأصحُّ بطيف بلا حدود تختبر الفاصل بين العتمة والنور بين الحزن والحبور، متى تترجَّل صهوة الابتعاد؟ ومتى تحرس آمالك بالاقتراب؟ وما سيلهمك للصواب هو نَفْسه ما سينجيك من الضياع، بين انحراف واستقامة بين رفض وقَبول. نحن في رحلة عبور مُجبرِين على تحمُّل الضريبة لأحلامنا، تشبَّث بالأمل، وتعلَّم كيف تتَّخذ قرارتك، وإن تأخرت ستنمو وستزدهر، فالكثير من الأشجار وإن نَمَتْ ببطء أثمرَتْ بغزارة، أنتَ مسؤول عن صُنع سعادتك وتعاستك، وهناك الكثير ما يستحقُّ العيش والكفاح من أجْلِه.

د. رقية بنت إسماعيل الظاهرية

طبيبة وكاتبة عمانية