تطلعنا العديد من المؤسسات البحثية، والجامعات الوطنية بين فترة وأخرى على مجموعة نجاحات ونتائج لمشاريع ابتكارية، ودراسات علمية، حازت على جوائز عالمية، وإشادة دولية، من قبل مؤسسات علمية وأكاديمية متخصصة، استثمرت فيها الملايين من الريالات، من منطلق اهتمامها بهذا الجانب وإدراكها التام بما يمثله قطاعا البحث العلمي والابتكار من أولوية في توجهات وبرامج الدول والمؤسسات الأكاديمية والبحثية وهو بطبيعة الحال ما يؤسس لقاعدة متينة للنهوض بالقطاع، وبناء جيل وطني لديه القدرة على الإبداع، والبحث والاستكشاف.
ما يقودنا لطرح هذا الموضوع العديد من الجوانب، آخرها ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ إعلان جامعة نزوى قبل أيام حصولها على براءة اختراع في مشروع تصنيع واختبار رقاقة طبية من مشتقات زيت الثوم العماني والتي تُسهم في رفع كفاءة الأدوية الجلدية ليبلغ عدد براءت الاختراع التي حصلت عليها الجامعة 14 براءة اختراع في مجالات بحثية وعلمية مختلفة، وهو الحال أيضًا بالنسبة إلى العديد من المؤسسات البحثية والأكاديمية التي استطاعت أن تبرز بقوة في مشاريع بحثية ومسابقات دولية، أثبتت علو شأنها ومكانتها، وهو ما يقودنا لطرح سؤال عن مصير تلك الدراسات، والبحوث، وبراءات الاختراع التي لم تجد ـ وبحسب الكثير من المتابعين ـ الرعاية والاهتمام المطلوب إلَّا قلة قليلة منها.
كيف يمكن الأخذ بهذه المشاريع وتحفيزها والنهوض بها إذا لم تكن هناك رؤية واضحة ووقفة جادة في استيعاب كل هذه الطاقات الوطنية، والبحوث والدراسات النوعية التي قد تمثل داعمًا ومساندًا لتوجُّهات الدولة ومشاريعها المختلفة أيًّا كانت اقتصادية، أوعملية، أواجتماعية، أوتنموية، وهل سيكون مصيرها كما هو مصير العشرات من براءات الاختراع التي ظلت حبيسة الأدراج لتسجل شهادة وفاتها مع مرور الزمن، دون أن يكون هناك أي حراك حقيقي للاستفادة من الجزء الأكبر من تلك المشاريع التي بالتأكيد سبقها الكثير من التخطيط، والرؤى، والجهد المادي والبشري.
ومع الجهود التي تبذلها سلطنة عمان للنهوض بقطاع البحث العلمي والابتكار وما تقوم به وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار من مبادرات مقدرة، إلا أن المرحلة القادمة تتطلب رؤية متكاملة لدعم تلك الجهود وبناء أهداف وتطلعات وطنية وتوجهات قابلة للتنفيذ بمقدورها أن تنتقل بهذا القطاع لمرحلة أكثر تفاعلًا مع برامج الدولة ومشاريعها المختلفة، وتراعي أهمية الدفع بالمؤسسات الأكاديمية والبحثية، ورعاية الباحثين والمبتكرين، والنهوض بهم وبقدراتهم ودعمهم حتى نستطيع بالفعل أن نوجد البيئة الحاضنة والرعاية لمثل هذا الطاقات الشابَّة العُمانية المبدعة.
وتشير آخر نتائج البحث إلى أن إنفاق سلطنة عمان على مشاريع البحث والتطوير بلغت في العام 2022م ما يزيد عن 121 مليون ريال عماني بارتفاع نسبة 23 بالمائة عن العام 2021 والذي سجل 98 مليون ريال عماني، فيما ارتفع إنفاق المؤسسات على البحث والتطوير خلال الفترة من 2018 ـ 2022م، بشكل متصاعد حيث بلغ في العام 2018 ما يزيد عن 66 مليون ريال عماني ليرتفع في العام 2022 ليبلغ 121 مليون ريال عماني. كما تطور عدد الباحثين بوقت كامل لكل مليون نسمة من 295 خلال 2018 إلى 382 خلال 2020، بنسبة زيادة 29%.
كل هذه الأرقام وغيرها من النتائج ما زالت متواضعة في نظر الكثيرين خصوصًا إذا ما تم مقارنتها بحجم الإنفاق والنتائج على مستوى منطقتنا الخليجية والعربية فقط رغم أنَّها أيضًا أرقام تبقى متواضعة، وبالتالي فإن الجميع وخصوصًا من الباحثين والمبتكرين يتطلعون إلى أن يكون هناك تحوُّل جذري في سياسة احتضان الإبداعات الوطنية، ودعمها، ورعايتها والدفع بهذا التوجُّه لمستوى أكثر حضورًا وتفاعلًا مع ذلك الحراك الكبير لجامعتنا ومؤسساتنا البحثية التي تستثمر طاقات مادية وبشرية لتمكين هذه القطاع، كما يمكن أن تكون هناك على سبيل المثال جائزة سنوية وطنية لأفضل بحث، وافضل ابتكار، وأفضل مؤسسة بحثية، وغيرها من مجالات التنافس المختلفة.
مصطفى المعمري
كاتب عماني