السبت 27 يوليو 2024 م - 21 محرم 1446 هـ

نصف عام وصمود يفوق الخيال

نصف عام وصمود يفوق الخيال
الأربعاء - 03 أبريل 2024 04:23 م

جودة مرسي

30

نصف عام مضى منذُ السَّابع من أكتوبر الماضي على استمرار حرب الإبادة الدَّائرة بَيْنَ الحقِّ وبَيْنَ الباطل بَيْنَ صاحب الأرض وعدوٍّ مغتصب، بَيْنَ المقاومة الفلسطينيَّة وجيش الاحتلال «الإسرائيلي»، نصف عام ولَمْ نشعرْ بأنَّ المقاومة الفلسطينيَّة شعرَت بالتململ من الخسائر المَدَنيَّة لِشَعبِ العزَّة في غزَّة، أو تدمير البنى التحتيَّة بشوارعها وأزقَّتها، ولَمْ يسْلَمْ من هذا التَّدمير منزل أو مسجد أو مشفى أو مدرسة أو حتَّى طُرقات تنفع للسَّير فيها، أو الأسلوب الممنهج الَّذي تفوَّق على منهج الشَّيطان لِحَربِ الإبادة الجماعيَّة ضدَّ أكثر من مليون ونصف فلسطيني، سواء بالقصفِ والقتل أو التَّجويع والحرمان من المأكل والمشرب والدَّواء، أو حتَّى الكساء من بردِ الشِّتاء الَّتي تمارس ضدَّ هذا الشَّعب، بل على العكس أثبتَت المُواجهات وبالدَّليل القاطع على قوَّة المقاومة وتكتيكاتها العالية ومن خلفِها قوَّة التَّلاحم من شَعب قويٍّ يعْلَم جيِّدًا أنَّها حرب حياة أو موت، وأنَّ جيش الاحتلال المغتصِب هدفه في المقام الأوَّل القضاء على الشَّعب الفلسطيني بكُلِّ مُكوِّناته المَدَنيَّة أو المقاومة الَّتي تدافع عن أرضها وعِرضها بالسِّلاح، ويسعَى ساسة جيش الاحتلال من هذه المجازر غير الإنسانيَّة إلى القضاء على أصحاب الأرض واكتساب أراضٍ جديدة لإضافتها إلى الكيان المحتلِّ لِيَزيدَ من رقعة الاحتلال. أمَّا الخاسر على الجانب الآخر فهو العدوُّ الَّذي سقطَت هَيْبته وسقطَت خطَّته العسكريَّة وزادت بَيْنَ مُكوِّناته الخلافات الكبيرة، سواء بَيْنَ المَدَنيِّين أو العسكريِّين أو السَّاسة، خصوصًا وأنَّ الخلافات والمظاهرات الدَّالَّة على ذلك لَمْ تنقطعْ داخل الأراضي المُحتلَّة الَّتي يعيش فيها الكيان الهمجي الدَّموي المحتلُّ، فيما يسفر صمود المقاومة والتَّعاطف معها من البعض اختلالًا اقتصاديًّا عالَميًّا كبيرًا، ومؤخرًا سقطَت طائرة في أحَد الأماكن الَّتي كان لا يُمكِن الاقتراب مِنْها، حيث سقطَت طائرة مُسيَّرة فوق ميناء إيلات قادمة من خارج الحدود الفلسطينيَّة لِتعلنَ أنَّه لا توجد أماكن لا يُمكِن الوصول إِلَيْها.

إنَّ ارتفاع أعداد الجنود والضبَّاط بَيْنَ قتلى وجرحى في جيش الاحتلال منذُ بداية طوفان الأقصى في السَّابع من أكتوبر العام الفائت، وتدمير العديد من الآلات العسكريَّة بأعدادٍ كبيرة تقدَّر بنسبة (40%) من عتاده، بالإضافة إلى الإعلان مؤخرًا على لِسانِ وزير الحرب السَّابق لِجيشِ الاحتلال ليبرمان (أنَّ الحرب انتهَت وأنَّهم حقيقة خسروا الحرب)، ولَمْ يكُنْ وحده الَّذي يُدلي بهذا التَّصريح، بل قاله أيضًا اللواء المتقاعد إسحاق بريك (إنَّ بلاده خسرت الحرب مع حركة المقاومة الإسلامية حماس بقِطاع غزَّة) مؤكدًا أنَّ الجبهة الداخليَّة غير مستعدَّة لِحَربٍ إقليميَّة واسعة، فيما على أرض الواقع لَمْ يحقِّقْ جيش الاحتلال أيًّا من أهدافه، سواء بالقضاء على المقاومة الفلسطينيَّة الَّتي لا تزال تملك المقدَّرات العسكريَّة الَّتي تسبِّب خسائر فادحة لجيش الاحتلال، أو تحرير الأسرى، وهما الهدفان المعلَنانِ سياسيًّا وعسكريًّا من جانب الكيان المحتلِّ تبريرًا لِحَربِ الإبادة الَّتي يخوضها، فيما على العكس فقَدْ أسفرت هذه الحرب عن ازدياد الخلافات في الدَّاخل لِلكيانِ المحتلِّ بَيْنَ مُكوِّنات شَعبه وهروب فصيل مِنْهم من فكرة التَّجنيد (الحريديم) وحاجة الجيش المحتلِّ الشَّديدة للجنود بعد سقوط أعداد كبيرة قتلى وجرحى وتسريح عددٍ آخر من الجنود خوفًا من تمرُّدهم أو لإنقاذ اقتصاد البلاد الَّذي تأثَّر بقوَّة منذُ ترَك هؤلاء الجنود وظائفهم. نصفُ عام من الاعتداء الَّذي يقابله صمود خيالي أمام كُلِّ أشكال العنف، نجح خلاله قادة جيش الاحتلال في نَشْرِ الكُره بعُمق لهذا الكيان بَيْنَ أصدقاء الأمس، وظهور جيل جديد من شعوب الدوَل الأوروبيَّة وأميركا يعرفون حقيقة الكيان المُحتلِّ، وأنَّ بلادهم أخطأت في دعمها لهذا الكيانِ القاتل، وأنَّ هذا الجيل سيسكت كُلَّ صوت مستقبلي يؤيِّد هذا الكيان الدَّموي الَّذي لا يهتمُّ بأيِّ حقوق للإنسان؛ لأنَّ عقيدته تُبنى على القتل والتَّدمير لكُلِّ معاني الحياة في أرض العزَّة غزَّة.

جودة مرسي

من أسرة تحرير « الوطن»