السبت 27 يوليو 2024 م - 21 محرم 1446 هـ

غرائب القرآن : قراءة فـي غريب القرآن وبيان جلال معانيه وكمال مبانيه والوقوف على الفروق اللغوية بين ألفاظه ومراميه «مفهوم إِلًّا ولا ذِمَّةً» «2»

الثلاثاء - 02 أبريل 2024 04:17 م
20


وقال الآلوسى: كيف يكون لهم عهدٌ معتدٌّ به عند الله، وعند رسوله، وحالهم أنهم «وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً»، ومعنى: «يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ»: يظفروا بكم ويغلبوكم، يقال:« ظهرت على فلان» أى: غلبته، ومنه قوله - تعالى - :«فَأَيَّدْنَا الذين آمَنُواْ على عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ»، أى: غالبين .

ومعنى لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ : لا يراعوا فى شأنكم، يقال: «رقب فلان الشيء يرقبه: إذا رعاه وحفظه، ورقيب القوم حارسهم»، وأما (الإِلُّ) فيطلق على العهد، وعلى القرابة، وعلى الحلف، قال ابن جرير - بعد أن ساق أقوالا فى معنى الإِل -:« وأولى الأقوال فى ذلك بالصواب أن يقال: «والإِلُّ اسمٌ يشتمل على معانٍ ثلاثة: وهى العهد، والعقد، والحلف، والقرابة، وإذا كان الكلمة تشمل هذه المعانى الثلاثة، ولم يَكُنِ الله قد خَصَّ من ذلك معنى دون معنى، فالصوابُ أن يَعُمَّ ذلك كما عَمَّ بها - جل ثناؤه - معانيها الثلاثة.

وأما الذمة : فكلُّ أمر لَزِمَكَ بحيث إذا ضيعتَه لزمك مذمةٌ، أو هي ما يتذمَّم به، أي يجتنب فيه الذمُّ، والمعنى : بأي صفة، أو بأي كيفية يكون للمشركين عهد عند الله، وعند رسوله ، والحال المعهود منهم أن إن يظفروا بكم، ويغلبوكم، لا يراعوا فى أمركم لا عهدا، ولا حلفا، ولا قرابة، ولا حقًّا من الحقوق؟! .

وبذلك نرى أن الآية الكريمة قد وَصَفَتْ هؤلاءِ المشركين وصفًا هو فى نهاية الذم، والقبح؛ لأنهم إن كانوا أقوياءَ، فَجَرُوا، وأسرفُوا فى الإِيذاء، نابذين كلَّ عهد، وقرابة، وعُرْفٍ، أما إذا شعروا بالضعف، فإنهم يقدِّمون للمؤمنين الكلام اللين الذى تنطق به ألسنتهم ، وتأباه قلوبهم الحاقدة الغادرة، أى أن الغدر ملازم لهم في حالتي قوتهم وضعفهم؛ لأنهم فى حالة قوتهم (لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً)، وفى حالة ضعفهم يخادعون، ويداهون حتى تحين لهم الفرصة للانقضاض على المؤمنين.

وقال الإمام البغوي في تفسير قوله - تعالى-:»كيف وإن يظهروا عليكم»: «هذا مردود على الآية الأولى، تقديره: كيف يكون لهم عهد عند الله كيف، وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة، وقال الأخفش: كيف لا تقتلونهم، وهم إن يظهروا عليكم، أي: يظفروا بكم، لا يرقبوا: لا يحفظوا؟، وقال الضحاك: لا ينتظروا، وقال قطرب: لا يراعوا فيكم إلا، وقال ابن عباس، والضحاك: قرابة، وقال يمانٍ : رَحِمًا، وقال قتادة : الإلُّ الحلفُ، وقال السدي: هو العهد، وكذلك الذمة، وقال أبو مجلز، ومجاهد : الإلُّ هو الله- عز، وجل- ، وكان عبيد بن عمير يقرأ: «جبر إل» بالتشديد يعني: «عبد الله» ، وفي الخبر أن ناسا قدموا على أبي بكر من قوم مسيلمة الكذاب، فاستقرأهم أبو بكر كتابَ مسيلمة، فقرؤوا، فقال أبو بكر- رضي الله عنه- : إن هذا الكلام لم يخرج من إل، أي: من الله.

د. جمال عبد العزيز أحمد

 جامعة القاهرة - كلية دار العلوم بجمهورية مصر العربية