السبت 27 يوليو 2024 م - 21 محرم 1446 هـ

أضواء كاشفة : المجلس البلدي .. شراكة فاعلة حقيقية

أضواء كاشفة : المجلس البلدي .. شراكة فاعلة حقيقية
الثلاثاء - 02 أبريل 2024 04:08 م

ناصر بن سالم اليحمدي

10

تجسِّد المجالس البلديَّة معنى الشَّراكة الحقيقيَّة والفاعلة لأبناء المُجتمع في بناء الوطن وتطوير قِطاعاته المختلفة، حيث يُلقَى على عاتقها مسؤوليَّة كبيرة في تخطيط ومتابعة تنفيذ المشاريع التنمويَّة الَّتي تحتاجها الولاية.. ونحمد الله أنَّ مُعْظم مَن يقوم عَلَيْها في جميع المحافظات والولايات أسماء مشهود لهَا بالخبرة والسِّيرة الحسَنة وأثبتوا أنَّهم جديرون بثقة المواطنين لَهُم عِنْدما اختاروهم في الانتخابات البلديَّة، حيث نجحوا في العمل من أجْلِ صالح البلاد والعباد وأدّوا دَوْرهم في خدمة وطنهم وإدراكهم لاحتياجات ولاياتهم على أكمل وَجْه.

ومؤخرًا على هامش اجتماع المجلس البلدي الثَّالث لهذا العام بمحافظة شمال الشَّرقيَّة كرَّم المجلس اثنين من أعضائه تقديرًا لجهودهما المُجيدة في إدارة برامج وأنشطة المجلس بالمحافظة لعام 2023م.. فقَدْ تفانَيا في عملهما بالتَّعاون مع كافَّة العاملين بالمجلس من أجْلِ النُّهوض بالمحافظة وحرَصَا على تحقيق التَّنمية والرفاهيَّة لكُلِّ مَن يعيش فوق الأرض الطيِّبة.

جميعنا يعلم أنَّ أهمِّية المجلس البلدي تأتي من حرص أعضائه على القيام بتطوير مرافق الولاية والبنى الأساسيَّة لهَا حتَّى تتوافرَ أفضل المَرافق الخدميَّة بكافَّة أشكالها، سواء كانت مستشفيات أو مدارس أو أسواقًا أو متنزَّهات وأماكن ترفيهيَّة ومساحات خضراء أو أماكن تراثيَّة والَّتي يجِبُ المحافظة عَلَيْها أو الارتقاء بالبيئة وغير ذلك، ممَّا يُضفي ملمحًا حضاريًّا على الولاية وفق خطط شاملة مدروسة تُراعي كافَّة احتياجات المواطنين.. لذلك فإنَّ المواطنين يعوِّلون آمالًا عريضة على المجلس البلدي لِنَشرِ مظاهر النَّهضة بالبلاد في كافَّة المجالات.

من هنا فإنَّ دَوْر عضو المجلس البلدي حيوي للغاية؛ كونه يُشكِّل قناة التَّواصُل الَّتي تصلُ المواطن بالجهات الحكوميَّة والخاصَّة وجميع مؤسَّسات المُجتمع المَدَني.. لذلك فإنَّ من أهمِّ ما يُطالب العضو أن يتحلَّى به أن يكُونَ مستمعًا جيِّدًا لِرَغباتِ المواطن ومنفتحًا على تطلُّعاته وأفكاره، ولدَيْه من الصَّبر والحِكمة ما يؤهّله لِمُناقشتِه في كيفيَّة تطوير وبناء المُجتمع بصورة إيجابيَّة بعيدًا عن التشدُّد والتصلُّب في الرَّأي، بل مناقشته بسعة ورحابة صدر لِلوُصولِ لِنقَاطٍ تصبُّ في صالح الولاية والوطن؛ لأنَّ الهدف الأساس من المجلس البلدي هو منح المواطن دَوْرًا فاعلًا في اتِّخاذ القرار وتعزيز مشاركته في الحياة السِّياسيَّة والاجتماعيَّة في الدَّولة بما يخلق مُجتمعًا مثاليًّا خاليًا من السلبيَّات يقفز بعجلة التَّنمية إلى الأمام والارتقاء بمستوى الفرد المعيشي نَحْوَ الرفاهيَّة والرَّخاء.. وهذا ما فعله المكرَّمان اللَّذان استحقَّا عن جدارة هذا التَّكريم.

لقَدْ أدرَك المسؤولان المُكرَّمان أنَّ مسؤوليَّة المجلس البلدي أمانة في عنقهما، وهذا ما يجعلنا نقف وقفة إجلال وإكبار لأمثال هؤلاء المُخلِصين على الجهد الَّذي يبذلونه في خدمة الوطن والمواطن، وحرصهم على تحقيق الاستقرار والرَّاحة والرفاهيَّة لَهُ إيمانًا مِنْهم بأنَّ ذلك سينعكس بصورة إيجابيَّة لِدَفع عجلة التَّنمية إلى الأمام ونتمنَّى أن يوفِّقَهم المولى سبحانه وتعالى للارتقاء بالمُجتمع وتحقيق آمال وطموحات مواطنيهم حتَّى يعمَّ الرَّخاء كافَّة رُبوع البلاد في ظلِّ القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه.

حرصت بلادنا الحبيبة على الاهتمام بكُلِّ ما يتعلَّق بالتُّراث الفِكري وحثَّت على الحفاظ على الإرث الثَّقافي لِعُمانِنا الغالية، وذلك كونه يرسم هُوِيَّتنا ويُحدِّد ملامحنا وسط العالَم الَّذي تداخلت فيه المصالح مع الثَّقافات والحضارات في محاولة لِتَذويبِ الهُوِيَّة المميَّزة لكُلِّ شَعب حتَّى يصبحَ البَشَر كُلُّهم صورةً مستنسخة من الثَّقافة الَّتي تسعَى لِفَرضِها القوى المهيمِنة بالقوَّة تحت مسمَّى «العولمة».. فنرى نهضتنا المباركة قامت على أساس الجمع بَيْنَ المعاصَرة والأصالة لِتَخطوَ البلاد نَحْوَ التقدُّم والتطوُّر المقترِن بالهُوِيَّة المميَّزة.

وتُعَدُّ «جائزة السُّلطان قابوس للثَّقافة والفنون والآداب» من المظاهر الَّتي تجسِّد الاهتمام السَّامي بالحفاظ على التُّراث الفكري وتشجيع الإبداع، وتأتي ترجمةً لِرعايةِ حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ للمواهب الشَّابَّة، والعمل على صقلها وتشجيع العقول المبدعة المبتكرة، واعتبارها رافدًا مُهمًّا من روافد النَّهضة المباركة، لا سِيَّما وأنَّ الجائزة تُعَدُّ الأكبر من حيث القِيمة المادِّيَّة في المنطقة بأسْرِها ممَّا يدلُّ على اهتمام جلالته بتطوير الحركة الثقافيَّة في سلطنة عُمان، بل وفي الوطن العربي، حيث إنَّه من المسموح للمُبدعين العرب المنافسة على الجائزة كُلَّ عامَيْنِ.

وهذا العام خُصِّصت الجائزة للمواطنين العُمانيِّين فقط وذلك وفق إعلان مركز السُّلطان قابوس العالي للثَّقافة والعلوم عن مجالات وشروط الترشُّح لِلجَائزةِ في دَوْرتها القادمة الحادية عشرة، حيث أعلن المركز أنَّه في مجال الثَّقافة سيتنافس المشاركون على (دراسات في البيئة العُمانيَّة)، وفي فرع الفنون خُصِّصت المنافسة في (البرامج الإذاعيَّة)، أمَّا في فرع الآداب فإنَّ (الشِّعر العربي الفصيح) هو عنوان التنافس.

لا شَكَّ أنَّنا لو تتبَّعنا الجائزة منذُ تأسيسها عام 2011م سنجد أنَّها مُتجدِّدة دائمًا في كُلِّ نسخة عن سابقتها في أفكارها ومجالاتها، إلَّا أنَّ ما تُثبته نتائج المسابقة كُلَّ مرَّة أنَّ الأرض الطيِّبة غنيَّة بأبنائها المثقَّفين الَّذين نفخَر بِهم جميعًا، وأنَّها أنبتَتْ زرعًا خيرًا يُسهم في رُقيِّها ورفعتها وبناء مستقبَل واعدٍ باهرٍ.

لا شكَّ أنَّ الجائزة القيِّمة لهَا أهمِّية كبرى؛ كونها تسلِّط الضَّوء على نتاجنا الثَّقافي وتُبرز دَوْره في التَّأثير على القضايا الَّتي يُعاني مِنْها المُجتمع.. إلى جانب أنَّها تشجِّع المثقَّفين وذوي المواهب على الإبداع والابتكار؛ كَيْ يحصلوا على القِيمة المادِّيَّة والمعنويَّة لِلجَائزةِ، وهو ما يصبُّ في خانة النُّهوض بالحركة الثقافيَّة.. بالإضافة إلى أنَّها تُسهم في انتشارهم محليًّا وخارجيًّا، خصوصًا في ظلِّ التطوُّر الهائل في مجال الاتِّصالات الَّذي أتاح للقاصي والدَّاني التعرُّف على كُلِّ ما يَدُور في أيِّ مُجتمع.

نحمد الله أنَّ ثقافتنا العُمانيَّة بكافَّة روافدها رغم انفتاحها على الآخر، إلَّا أنَّها ما زالت تحتفظ بطابعها الَّذي يميِّزها على مرِّ العصور المختلفة، حيث لَمْ تستطع تيَّارات التَّغريب مَحْوَ هُوِيَّتها أو التَّأثير فيها بصورة سلبيَّة. فقَدْ فطنَ المُبدِعون العُمانيون بفضل التَّوجيهات السَّامية لحضرة صاحب الجلالة بضرورة التمسُّك بالتُّراث الفكري والثَّقافي العُماني الأصيل فتوصَّلوا لحلِّ المعادلة الصَّعبة الَّتي تجمع بَيْنَ الحداثة والأصالة مع العمل على تطويرها فيما يثريها ولا يشوِّه طبيعتها. لذا فإنَّنا نلاحظ أنَّ الإبداعات الحديثة تضمُّ تلاحمًا ثقافيًّا يجمع بَيْنَ الحاضر والماضي عن وعيٍ ودراسة ودراية بأمجاد الأجداد لِيَسيرَ مُبدِعونا بخطوات واثقة ثابتة نَحْوَ المستقبَل الَّذي يرتكز على الجذور الثقافيَّة الأصيلة.. وقَدْ شهدت السَّنوات الأخيرة حركة نهضويَّة في المجال الثَّقافي ولَمَعت أسماء ومواهب مشهود لهَا بالنُّبوغ والتميُّز في كافَّة المجالات الفنيَّة والأدبيَّة والشِّعريَّة، وهو ما يبشِّرنا بازدهار الأدب العُماني وثرائه. نتمنَّى لِلْمتسابقِين التَّوفيق، ونرجو مِنْهم التَّواصُل لِتَقديمِ الأفضل لإثراء السَّاحة الثقافيَّة العُمانيَّة مع المحافظة على اللَّمحة الوطنيَّة الَّتي تصونُ ثقافتنا وقِيَمنا من التَّشويه.

ناصر بن سالم اليحمدي

كاتب عماني