السبت 27 يوليو 2024 م - 21 محرم 1446 هـ

غرائب القرآن : قراءة فـي غريب القرآن وبيان جلال معانيه وكمال مبانيه والوقوف على الفروق اللغوية بين ألفاظه ومراميه «مفهوم إِلًّا ولا ذِمَّةً» «1»

الاثنين - 01 أبريل 2024 04:32 م
20


قال- تعالى-:» كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَسِقُونَ»(التوبة - 8).

نقرأ في كتاب الله- تعالى- كلمتَيْ: «إلًّا وذمة»، وكلمة «الإل» تبدو كأنها غريبة على مسامعنا، ولكنها كلمة يعرفها العربُ تمامًا، ويحسنون فهمَها، وظِلَّ وقْعِها، ولأننا لا نقرأ كثيرًا في اللغة نظن أنها من الكلمات القليلة النادرة، أو الغريبة على الأذن العربية، وهو أمرٌ غيرُ صحيحٍ، فقد جاء في المعاجم العربية عنها ما يأتي:

** (أ ل ل):» الإلُّ: العهدُ، وفي التنزيل العزيز: «لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة»، والقرابةُ، والحِقد، والعداوةُ، والأصلُ الجيِّدُ، والمعدنُ الصحيحُ، والأَلَّةُ مصدرُ المرةِ...، والإلَّةُ القرابةُ، والجمعُ إِلَلٌ».

وأما عن لفظة الذمة فقد ورد في المعجم الآتي:» الذمة: العهدُ، والأمانُ، والكفالةُ، وفي الحديث الشريف: «المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمَّتهم أدناهم»، وكذلك الحقُّ، والحرمةُ، وفي الحديث الشريف: «فإن مَنْ ترك صلاة مكتوبة متعمِّدًا فقد برئتْ منه ذمةُ الله»، والذمَّةُ عند الفقهاء هي مَعْنًى يصير الإنسانُ به أهلا لوجوب الحقِّ له، أو عليه، ويقال: «في ذمتي لك كذا»، والجمع ذِمَمٌ، وأهل الذمة هم المُعَاهَدون من أهل الكتاب، ومَنْ جَرَى مَجْراهم، والذمِّيُّ: المعاهَدُ الذي أُعْطِيَ عهدًا يأمنُ به على ماله، وعرضه، ودينه، وفي المؤنث يقال: هي ذمية».

فهل بعد العود إلى المعاجم ثمة فارق بين «الإلِّ، والذمة؟».

نعم، هناك فارقٌ بينهما، وإنِ التقيا في بعض المعاني، وفي شيءٍ من الدلالات التي تتضح من أقوال المفسرين مع المعجميين، حيث جاءت الأقوال حولهما كثيرة، وتعددت مفاهيم «الإل»، ودلالات «الذمة»، واختلفت آراءُ المفسرين فيها كثيرًا ، فعن ابن عباس قال: لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلا وَلا ذِمَّةً، قال: «الإلّ»، القرابة، و»الذمة»: العهد، وجاء في التفسير الميسر ما خلاصته:» أنَّ شأن المشركين أن يلتزموا بالعهود ما دامت الغلبة لغيرهم، أما إذا شعروا بالقوة على المؤمنين، فإنهم لا يراعون القرابة، ولا العهد، فلا يغرنكم منهم ما يعاملونكم به وقتَ الخوف منكم، فإنهم يقولون لكم كلامًا بألسنتهم؛ لترضوا عنهم، ولكنَّ قلوبهم تأبى ذلك، وأكثرهم متمردون على الإسلام ناقضون للعهد».

وورد عند الشيخ السعدى في بيانه لهذا القول الكريم: «لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً‏‏»، قوله:» أي‏ْ:‏ لا ذمة، ولا قرابة، ولا يخافون اللّه فيكم، بل يسومونكم سوء العذاب، فهذه حالكم معهم لو ظهروا،‏ ولا يغرنكم منهم ما يعاملونكم به وقت الخوف منكم، فإنهم ‏‏يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ‏‏ من الميل والمحبة لكم، بل هم الأعداء حقا، المبغضون لكم صدقًا، ‏‏وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ‏ أي لا ديانة لهم ولا مروءة‏».‏

وأضاف الشيخ الطنطاوي في الوسيط في شرح الإل والذمة، قال: «... أي لاستبعاد ثبات المشركين على العهد، ولاستنكار أن يكون لهم عهد حقيق بالمراعاة، وبيان لِما يكون عليه أمرهم عند ظهورهم على المؤمنين.

د. جمال عبد العزيز أحمد

 جامعة القاهرة - كلية دار العلوم بجمهورية مصر العربية