السبت 27 يوليو 2024 م - 21 محرم 1446 هـ

غرائب القرآن : قراءة فـي غريب القرآن وبيان جلال معانيه وكمال مبانيه والوقوف على الفروق اللغوية بين ألفاظه ومراميه الفرق «بين لفظتَيْ: أحد، وواحد» «3»

الاحد - 31 مارس 2024 03:47 م
10

فالواحد- في أسماء الله - تعالى- الذي لم يزل وحده، ولم يكن معه آخر، فهو الواحد المتفرد بالوحدانية، والأحد بُنِيَ لنفي ما يذكر معه من العدد، نحو:» ما جاءني أحد، بينما الواحد فهو الاسم الذي بُنِيَ لمفتتح العدد، كأن نقول: «جاءني واحد من الناس، ولا نقول: «جاءني أحد من الناس» فالواحد- كما قيل- منفرد بالذات في عدم المثل والشبيه والنظير، بينما الأحد فهو المنفرد بالمعنى.

وذكر ابن الأثير (مجد الدين أبو السعادات المشهور بابن الأثير الجزري) في كتابه القيِّم «النهاية في غريب الحديث والأثر» ما كان المعجم الوسيط قد مال إليه، قال: «الواحد هو الذي لا يتجزأ، ولا يثنَّى، ولا يقبل الانقسام، ولا نظير له، ولا مثل، ولا يجمع هذين الوصفين إلا الله - تعالى-».

ولكنْ ذهب الأزهري إلى ما ارتأيناه، وارتكنَّا إليه في دلالة (أحد)، قال الأزهري: «لا يوصف شيءٌ بالأحدية غير الله- تعالى-، فلا يقال: رجل أحد، ولا درهم أحد»، وقال الخليل بن أحمد - رحمه الله -: «يجوز أن يقال: أحد اثنان ، كما يجوز أن يقال: واحد اثنان في الأعداد المتتالية...إلخ» ، وهمزتها مقلوبة من الواو فأصل أحد: وحد.

وحول سؤال الناس : «هل يجوز الجمع بين :» الواحد ، والأحد»؟ .

إجابة عليه نقول: اختلف العلماء في ذلك على قولين:

القول الأول: أنه لا فرق بينهما، بل هما بمعنى واحد، ونقلوا قولَ الخليل بن أحمد المتقدم في جواز قولك:» أحد اثنان...، وواحد اثنان في الأعداد المتتالية»، أي أنهما في ذلك اسمان مترادفان، ومعناهما واحد.

وأما القول الثاني: (وهو ما نميل إليه، ونعمل به) فهو أن الأحد والواحد ليسا اسمين مترادفين، وسبق أن أتينا بقول الأزهري تفرقة بينهما في أنه لا يوصف بالأحدية غيره - سبحانه- فلا يقال: «رجل أحد»، بل رجل واحد، و» لا درهم أحد»، بل درهم واحد، وأنهما ليسا من قبيل الترادف: ف»أحد» صفة من صفات الله- تعالى- استأثر بها، فلا يشركه فيها شيء مطلقًا.

** كما ذكروا فروقًا أخرى سبق أن ذكرنا بعضها، فمنها - إضافة إلى ما تقدم- أن الواحد يدخل في الأحد، ولا عكس، وأنك يمكنك أن تقول:» فلان لا يقاومه واحد، بل يقاومه اثنان، بخلاف الأحد، فلا يقال:» فلان لا يقاومه أحدٌ، بل يقاومه اثنان.

ومنها أن الواحد يستعمل في الإثبات والنفي، ولكن الأحد لا يستعمل في النفي.

فالواحد والأحد هما من أسماء الله الحسنى، كما ورد في الكتاب والسنة، ولكنْ مع الأخذ في دلالة كل منهما بالاعتبارات الدلالية، والفروق المعنوية التي سبق بيانُها، والله- تعالى- أعلى، وأعلم.

ونواصل الحديث حول غرائب القرآن، والفروق بين الاستعمالات القرآنية في لقاءاتٍ قادمةٍ، وصلى الله، وسلم، وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.

د. جمال عبد العزيز أحمد

 جامعة القاهرة - كلية دار العلوم بجمهورية مصر العربية