السبت 27 أبريل 2024 م - 18 شوال 1445 هـ

الاختلاف فـي الرأي أضاع القضية

الاختلاف فـي الرأي أضاع القضية
الأربعاء - 27 مارس 2024 03:51 م

جودة مرسي

40

ذكَّرني صديقي العزيز في نقاش تحاوري تناولً أهمَّ قضايا أُمَّتنا ـ أحداث غزَّة ـ ذكَّرني النِّقاش بأهمِّية الخبر في جوهره، باستفهاماته الستَّة) ماذا، من، متى، أين، لماذا، كيف)، حيث تبدأ الحكاية بنقاش حَوْلَ مقطعٍ قصير لا يتعدَّى الثَّواني لأحَد علماء الأُمَّة المشهود لَهُم بأهمِّيتهم وأهمِّية عِلمهم الَّذي يستفيد مِنْه الملايين من أبناء الأُمَّة ـ ونحن هنا لسنَا بصددِ تقييم لَهُ ـ فنحن لسنَا أهلًا لذلك لقامته الكبيرة، والحديث دار حَوْلَ تشبيهِ العالِم الجليل بما يحدُث في الأُمَّة من مواقف لا تتناسب مع حجم العدوان والإبادة الَّتي يتعرَّض لهَا أهْلُ غزَّة وبَيْنَ شهامة أبي جهل (الكافر) في أحَد المواقف. المُهِمُّ أنَّ النِّقاش وصلَ إلى أنَّ أحَد الأشخاص ـ لا أعرفه ولا أعرف نيَّته والنيَّات تخصُّ أصحابها، المعوَّل عَلَيْه هو المحتوى ـ تهكَّم على هذا الفيديو لِمجرَّد الهروب والاجتراء واللحظيَّة والسطحيَّة القابعين لعقليَّة، وماذا فعلتَ أنتَ لأفعلَ أنا؟ وهكذا كان لا بُدَّ في البحثِ عن الاستفهامات الستَّة وهي: ماذا حدَث ويحدُث من قتل وإبادة جماعيَّة من عدوٍّ لا يعرف حُرمة أو دِينًا أو أيَّ علاقة بالإنسانيَّة، وذلك منذُ عام 1948 وليس فقط منذُ انتفاضة الأقصى كما يدَّعي البعض من أبناء العرب والمُسلِمين، ويحمِّلون المقاومة الإسلاميَّة المسؤوليَّة عمَّا يحدُث. أمَّا لماذا؟ فإنَّ هذا الكيان المغتصِب يقول أمام العالَم كُلِّه إنَّ التوراة الَّتي لدَيْه تأمُرهم في تعاليمها على إبادة كُلِّ أهلِ غزَّة وإنَّهم في طريقهم لِتَحقيقِ ذلك بعد أن بلغَ عددُ الشُّهداء أكثر من (32) ألفَ شهيدٍ، ويحثُّ جنود الاحتلال على المُضيِّ في هذا الطريق بكُلِّ أشكال الإجرام الَّتي عرَفَتْها أو لَمْ تعرفْها الإنسانيَّة، أمَّا كيف؟ فإنَّ العالَم كُلَّه شاهدٌ على القتلِ والتَّدمير. وهنا أتذكَّر المقارنة الَّتي وصفها العالَم الجليل بأبي جهل، فهذا ما يحدُث الآن بالفعل حين نرَى أنَّ المظاهرات المليونيَّة تملؤ شوارع أوروبا وأميركا، والعواصم العربيَّة والإسلاميَّة تكتفي بمشاهدة مسلسلات رمضان.

إنَّ تلك العقليَّة الَّتي يحلو لهَا تكسير السِّياقات والتَّاريخ والهروب من مسؤوليَّة إغاثة عربي مُسلِم بحجَّة أنَّها مكبَّلة اليدَيْنِ ولا تعرف ماذا يُمكِن أن تفعلَ، وتتهكمَ بالقول إنَّ هذا الفلان يتحدَّث وهو يعيش في رفاهيَّة ولَمْ يعبأْ بما يحدُث لأهلِه في غزَّة، كُلُّها أُطروحات لإضافة ضبابيَّة أكبر على المشهد واجتزاء الخبر الأساسي، وهو أنَّ هناك شَعبًا يتعرَّض للإبادة الممنهجة أمام أنظار العالَم. وهنا يأتي خبراء التَّبسيط السَّاذج والجاهِل لأحداث غزَّة، وهُمْ يشارِكون في الجريمة بهذه الكلمات الَّتي يقصفون بها الضَّحايا ويضيفون إلى مأساتهم مأساة جديدة؛ لأنَّ الحياة بشكلٍ عامٍّ وخصوصًا في غزَّة الَّتي اكتملت ضدَّهم كُلُّ عناصر الموت تستحقُّ أن نكملَ العناصر الستَّة لخبرِ تعرُّضهم للإبادة، فلا نقف عِنْد ماذا حدَث؟ ولا نكتفي بتعليقات ساذجة أو عديمة المسؤوليَّة لبَعضِ جمهور استقبال الخبر. لا بُدَّ من البحثِ والعودة لضمائرِنا وحقيقة عقيدتنا والاستشهاد بالمجازر السَّابقة لهذا العدوِّ المحتلِّ في قانا ومرج الزهور وجنوب لبنان والضفَّة وغيرها الكثير، والتَّحذير من المآلات اللاحقة لِمَا يحدُث الآن، بعد أن خلَّفت ثأرًا بَشَريًّا ومادِّيًّا، ويؤسفني أن أقولَ لِصَديقي الماهر إنَّ اختلافي مع صديقه لا يسير وفق مقولة (الاختلاف في الرأي لا يفسد للودِّ قضيَّة) بل إنَّ الاختلاف في الرَّأي أضاع كُلَّ القضايا، بل وفي سبيله لضياعِ الأُمَّة ما دمنا نضع على وجوهنا الأقنعة الَّتي تُداري عنَّا التَّاريخ ومصائر أهلِ غزَّة موزَّعة بَيْنَ الخائفِين الهارِبين من المواجهة وبَيْنَ الأبرياء الَّذين اغتالتْهم آلةٌ عسكريَّة متوحَّشة، ولَمْ ترحم براءة الأطفال وأحلامهم أمام مشهد الموت والبشاعة غير الإنسانيَّة، حتَّى أصبحَ الظلم أعدلَ الأشياء قِسمة بَيْنَ أهلِ غزَّة. وأختم بقول ابن خلدون (جميع البَشَر في السَّكينة سواء.. بَيْنَما إذا جاءت المِحن تباينوا).

جودة مرسي

من أسرة تحرير «الوطن »