الأربعاء 16 يوليو 2025 م - 20 محرم 1447 هـ
أخبار عاجلة

الواقعية لا تعني الخنوع

الواقعية لا تعني الخنوع
إبراهيم بدوي
الاثنين - 25 مارس 2024 03:42 م

إبراهيم بدوي

10

لا يزال البعض من بَني جِلْدتنا يصرُّ على تحميل المقاومة الفلسطينيَّة نتيجةَ ما شهده قِطاع غزَّة من مآسٍ، وما حلَّ بِه من دمار شامل، تحوَّل على أثره القِطاع إلى حطام وركام، وباتَتْ أجزاء كبيرة مِنْه غير صالحة للحياة، وتحاول هذه الفئة ربط العدوان وحرب الإبادة الجماعيَّة الَّتي شنَّها الكيان الصهيوني، بما يرَون أنَّه على الأقلِّ تهوُّر من المقاومة الفلسطينيَّة، وعدم قراءة الواقع قَبل الإقدام على عمليَّة طوفان الأقصى في السَّابع من أكتوبر الماضي، الَّتي يحمِّلها هذا الجزء من المُجتمع العربي، الَّذي يتشدَّق بـ(الواقعيَّة) وباتَ لَهُ جمهور يتقبَّل نَفْس الطَّرح، خصوصًا في ظلِّ وجود بعض الأنظمة الَّتي تحاول تبرير تقاعسها المشهود، وإلقاء اللَّوم على العمليَّة الفلسطينيَّة، والتَّأكيد على أنَّ (طوفان الأقصى) أعطَتِ المُبرِّر الكافي لِمَا نشهده من إجرام صهيوني في غزَّة.

صحيح أنَّ الفَرق بَيْنَ القوى كبير بَيْنَ ما تملكه المقاومة من إمكانات، وما يملكه الكيان الصهيوني الغاصب، وأنَّ فَرق القوة هذا بالإضافة إلى الدَّعم والمساعَدة والمسانَدة والحماية الدوليَّة الَّتي يوفِّرها الغرب لـ»إسرائيل»، كُلُّ المؤشِّرات تؤكِّد النَّتيجة الَّتي وصلَ لهَا الحال بعد (الطوفان)، وتبرز كأسباب لِتبنِّي هذا النَّهج الَّذي يصرُّ أصحابه على ربطه بـ(الواقعيَّة)، إلَّا أنَّ هناك مجموعة من الحقائق الأخرى والزوايا المختلفة الَّتي تُشير إلى أنَّ هذا الطَّرح لا يزال لا يتَّسم بالواقعيَّة المُطْلقة، حيث تجاهَل هذا الرَّبط عددًا من الحقائق الأكثر واقعيَّة، أهمُّها أنَّ دَولة الاحتلال «الإسرائيلي» لَمْ تكُنْ تحتاج لِمُبرِّر يفرض رؤيتها الأحاديَّة الَّتي تسعى لسرقةِ ما تبقَّى من الأراضي الفلسطينيَّة.

فالأرقام والإحصائيَّات الَّتي توثِّق الجرائم الصهيونيَّة في العقدَيْنِ الأخيرَيْنِ، اللَّذيْنِ شهدا توجُّهًا فلسطينيًّا نَحْوَ المقاومة السلميَّة، وضغطًا دوليًّا وإقليميًّا على مَن يتبنَّى الطَّرح المقاوِم المُسلَّح، حيث غاب هذا الحلُّ بشكلٍ كامل، لكنَّه لَمْ يؤثِّرْ على التوَجُّه الصهيوني الاستعماري، أو يمنع الحكومات المتطرِّفة من تبنِّي تحرُّكات قانونيَّة تقضي على أيِّ أملٍ نَحْوَ إعادة الحقوق الفلسطينيَّة، بجانب مواصلة القتْلِ والدَّهْم والاعتقالات في كافّة الأراضي الفلسطينيَّة، وتقنين تسليح المستعمِرِين الإرهابيِّين، وإطلاق أياديهم الملوَّثة بالدِّماء لاستهداف كافَّة أبناء فلسطين ومقدَّساتهم، فيما تجمَّدت تقريبًا عمليَّة السَّلام، وتحوَّلت لشعاراتٍ لا تغني ولا تُسمن من جوع، وظلَّ الدَّعم الغربي المطلَق الَّذي يغضُّ الطَّرف عن الجرائم الصهيونيَّة، والَّذي يمنع الفلسطينيِّين من مطاردة الإرهاب الصهيوني قضائيًّا، أو العمل على فرض حلِّ الدَّولتَيْنِ الَّذي يتشدَّق الجميع بتبنِّيه.

ومن هذا المنطلق، فعلى مَن يتبنَّى الطَّرح الواقعي، أن يطرحوا بديلًا له جدوى، فالخنوع والالتزام السِّلمي لَمْ يوقفْ جرائم الصَّهاينة، والاعتماد على المُجتمع الدولي المتواطئ طوال العقود الأخيرة لَمْ يُعِد الحقوق المسلوبة، بل إنَّه لَمْ يوقفْ آلة الإجرام. لذا فمن الطبيعي مع تنامي حالة اليأس الفلسطينيَّة، أن يظهرَ الحلُّ العسكري المقاوِم، بما لَهُ من شرعيَّة قانونيَّة دوليَّة. صحيح أنَّ نتائج العدوان الصهيوني كانت كارثيَّة، لكنَّها لَمْ تختلفْ عن نتائج الخنوع القائم على الطُّرق القانونيَّة والسلميَّة، بل إنَّ عمليَّة طوفان الأقصى ـ برغم ما ترتَّب عَلَيْها من نتائج ـ ستظلُّ خطوة أظهرت عورات النِّظام العالَمي، وبَيَّنَت التَّضاد الكبير بَيْنَ الشعوب الغربيَّة والأنظمة الَّتي يسيطر عَلَيْها اللوبي الصهيوني، وبرغم ما أحدثته من مآسٍ، إلَّا أنَّها ستكُونُ اختراقة إذا ما أُحسن البناء عَلَيْها، وعلى الواقعيِّين العرب إبداء طرح بديلٍ يُعِيد الحقوق الفلسطينيَّة، بدل جلد المقاومة المشروعة.

إبراهيم بدوي