لقد ذكر الله تعالى غار ثور وهو الغار الذي جلس فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام قبل أن ينطلق إلى في هجرته المباركة إلى المدينة المنورة، على الرغم أنه تعالى لم يتحدث عن غار حراء، وذلك لأن الحدث الذي تم في الغار هو أهم من الغار ذاته ألا وهو نزول القرآن العظيم على النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأكمل التسليم، وقد ذكر الله تعالى غار ثور الذي آوى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وصاحبه أبو بكر الصديق وذلك لأهميته القصوى، حيث أجري الله فيه معجزات جليلة أهمها أن الله تعالى سخر العنكبوت ليكون آية مانعة فاصلة، تحول بين رسول الله وصاحبه وهم داخله وكفار قريش خارجه،( إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ ) حَكِيمٌ التوبة: ٤٠، عن عروة قال: لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه، وكان لأبي بكر مَنِيحةٌ من غَنَم تروح على أهله، فأرسل أبو بكر عامر بن فهيرة في الغنم إلى ثور. وكان عامر بن فهيرةَ يروح بتلك الغنم على النبي صلى الله عليه وسلم بالغار في ثورـ في الجبل الذي يسمَّى ثورًاـ مكث فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ثلاث ليالٍ، وهو «الغار» الذي سماه الله في القرآن» جامع البيان الطبري (14/ 259)».
بطن مكة: وقد ذكره الله تعالى في سورة الفتح،( وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ) الفتح: ٢٤، قوله «وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ» أَيدي أهل مَكَّة، «عَنكُمْ» عَن قتالكم، «وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم» عَن قِتَالهمْ، «بِبَطْنِ مَكَّةَ» فِي وسط مَكَّة غير أَن كَانَ بَينهم رمي بِالْحِجَارَةِ، «مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُم عَلَيْهِم» حَيْثُ هَزَمَهُمْ أَصْحَاب النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْحِجَارَةِ حَتَّى دخلُوا مَكَّة» تنوير المقباس من تفسير ابن عباس (ص: 433بترقيم الشاملة)». وَاتَّفَقَ الْمُفَسِّرُونَ الْأَوَّلُونَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْكَفَّ وَقَعَ فِي الْحُدَيْبِيَةِ. وَهَذَا يُشِيرُ إِلَى مَا رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ وَبَعْضُهَا فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ وَقَالَ: هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَفِي بَعْضِهَا زِيَادَةٌ عَلَى بَعْضٍ «أَنَّ جَمْعًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ يُقَدَّرُ بِسِتَّةٍ أَوْ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَوْ بِثَلَاثِينَ أَوْ سَبْعِينَ أَوْ ثَمَانِينَ مُسَلَّحِينَ نَزَلُوا إِلَى الْحُدَيْبِيَةِ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْخُذُوا الْمُسْلِمِينَ عَلَى غِرَّةٍ فَفَطِنَ لَهُمُ الْمُسْلِمُونَ فَأَخَذُوهُمْ دُونَ حَرْب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِطْلَاقِهِمْ» وَكَانَ ذَلِكَ أَيَّامَ كَانَ السُّفَرَاءُ يَمْشُونَ بَين النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَين أَهْلِ مَكَّةَ وَلَعَلَّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطْلَقَهُمْ تَجَنُّبًا لِمَا يُعَكِّرُ صَفْوَ الصُّلْحِ. والْحُدَيْبِيَةُ قَرِيبَةٌ مَنْ مَكَّةَ وَهِيَ مِن الْحِلِّ وَبَعْضُ أَرْضِهَا مِنَ الْحَرَمِ وَهِيَ عَلَى الطَّرِيقِ بَيْنَ مَكَّةَ وَجُدَّةَ وَهِيَ إِلَى مَكَّةَ أَقْرَبُ وَتُعْرَفُ الْيَوْمَ بَاسِمِ الشَّمِيسِي» انظر «التحرير والتنوير لابن عاشور (26/ 184)».
الشجرة: لقد ذكر الله هذه الشجرة وقتما تحدث سبحانه عن بيعه الرضوان، ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ) الفتح: ١٨، وَهِيَ شَجَرَةٍ مِنَ السَّمُرِ، والْبَيْعَةُ الَّتِي بَايَعَهَا الْمُسلمُونَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ تَحْتَها وَكَانُوا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ عَلَى أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ، وَتُسَمَّى بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ، كَانَ سَبَبُ هَذِهِ الْبَيْعَةِ أَنَّ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ لِيُفَاوِضَهُمْ فِي شَأْنِ التَّخْلِيَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ الِاعْتِمَارِ بِالْبَيْتِ فَأُرْجِفَ بِأَنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ فعزم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قِتَالِهِمْ لِذَلِكَ وَدَعَا مَنْ مَعَهُ إِلَى الْبَيْعَةِ، وَالتَّعْرِيفُ فِي الشَّجَرَةِ تَعْرِيفُ الْعَهْدِ وَهِيَ: الشَّجَرَةُ الَّتِي عَهِدَهَا أَهْلُ الْبَيْعَةِ حِينَ كَانَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فِي ظِلِّهَا، وَهِيَ شَجَرَةٌ مِنْ شَجَرِ السَّمُرِ». المرجع السابق (26/ 159)». وللحديث تتمة.
محمود عدلي الشريف