النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو أعظم قائد عرفه التاريخ، ويجمع في شخصيته الفريدة مزايا القيادة المتفوقة المنقطعة النظير، وقد شهد له غير المسلمين قبل المسلمين برفعة شأنه في التوجيه والتخطيط والإعداد ورسم الرؤى ووضع الأهداف وتثبيت القيم. باشر النبي صلى الله عليه وسلم قيادته منذ نعومة أضافره، فرعى الأغنام، وكان من وراء رعيها تعلم أساسيات القيادة، ثم كبر وتطور إلى إدارة التجارة، فكان يتّجر بمال زوجته خديجة، وكسب من تلك المهنة صفات قيادية راقية. كما أهّله نسبه الشريف في مكة كيفية استقبال الوفود العربية وإكرامها وتوجيهها من خلال جلوسه بجوار عمه أبي طالب سيد مكة، وتعلم كيفية إدارة الحوار والهيمنة على النقاشات والتغلب على الخلافات وتعلم شؤون القبائل وما تحتاجه في قيادتها، كذلك تميّز النبي بصفات تحسب على القادة الفعّالين، منها المشورة والتحكم، ومعرفة الرجال، والرؤية المرشدة الإيمان والتوازن.. وغيرها. وقد لخصت السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ قيادة النبي صلى الله عليه وسلم مع جنده بقولها:(متواضعًا في غير ذل، ومهابًا من غير تكبّر)، فتواضعه يقرب منه أصحابه فيسهل عليه محبتهم، ومهابته لأجل التحكم والتوجيه. القيادة لها أهمية في حياة كل إنسان، فكل إنسان راعٍ وهو مسؤول عن رعيته، فما هي القيادة وما أركانها وما صفات القائد الفعال؟ كل ذلك نستنتجه من قيادة النبي ـ صلى الله عليه وسلم .
أهمية القيادة:
القيادة لا بد منها في الحياة حتى تترتب، وبها يقام العدل ويحال دون أن يأكل القويُ الضعيف (نصرة للمظلوم)، فالله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، وتكمن أهمية القيادة في النقاط الآتية: تنظم الطاقة البشرية واستغلاها في الإنتاج بأسلوب متناسق وخطط منظمة وتصورات مستقبلية، ودعم السلوك الإيجابي والتقليل من السلبي، والسيطرة على مشكلات العمل ورسم الخطط لحلها، ومواكبة المتغيرات المحيطة وتوظيفها لخدمة المنظمة، ورعاية الأفراد وتدريبهم وتنمية مهاراتهم، ووضع استراتيجية رائدة في عملية تحريك محفزة نحو هدف سامٍ، وإعادة التوازن للحياة، وعدم وجود قادة فاعلون يعني الفوضى أو ظهور قادة غير فاعلين وغير أكفاء.
أركان القيادة:
هي عملية تحريك الناس نحو الهدف الدنيوي والأخروي وفق قيم وشريعة الإسلام. من خلال هذا التعريف يمكن أن نحدد أركان القيادة وهي ثلاث: (أ) الرؤية: وهي الطموح والحلم المستقبلي الذي يتصوره القائد لمؤسسته وأتباعه كيف تكون في تطورها وتقدمها، ولا يصل إلى تحقيق الطموح إلا برسم أهداف، والأهداف هي خارطة طريق توصل إلى تحقيق الغايات المستقبلية، والقائد المسلم يخطط للمستقبل الدنيوي والأخروي معًا، مثل: مثل طموح النبي محمد صلى الله عليه وسلم لمستقبل الإسلام، بأن تكون له السيادة والريادة في المستقبل، وقد وضع أهداف لذلك وهي تحرير الجزيرة العربية من احتلال الفرس والروم، فسعى معه الصحابة ملبين رؤيته حتى تحققت بفضل الله، (ب) الأتباع المخلصون: وهم الكادر البشري الذي يستطيع القائد من خلالهم تحقيق الطموح والوصول إلى الأهداف وتحطيم العقبات، ولا بد أن يكون القائد له المقدرة على توجيههم، وذلك من خلال غرس الإيمان فيهم بالرؤية والطموح، وكان النبي القائد ـ عليه الصلاة والسلام ـ وأتباعه الصحابة المخلصون هم خير مثال، (ج) التحفيز: هو المحرك الخارجي الذي يستخدمه القائد لتشجيع أتباعه، ويكون تحفيز كل تابع على حسب ميوله، فعلى القائد أن يتعرف عن قرب على رجاله وأتباعه لكي يضعهم في المكان المناسب، ويحرك فيهم المفتاح المناسب، ومثال لذلك: كان النبي صلى الله عليه وسلم على دراية بأصحابه، فمنهم من لديه القوة الإيمانية فأعطاه لقب الصديق، ومن لديه الطاقة في الحق لقبه بالفاروق، ومن لديه الدق في الصدق لقبه أصدقهم، ومن لديه الفقه لقبه بأعلمهم بالحلال والحرام، ومن أحب المال استلطفه بالمال كأبي سفيان.
الصفات القيادية النبوية:
(1) الرؤية المرشدة: «المستقبل للإسلام» هذه المقولة؛ هي خلاصة رؤية النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ التي وضعها لطموحه الدنيوي، أما طموحه الأخروي فيقول:(إن سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس الأعلى فإنها أعلى مراتب الجنان)، (2) التوازن: ويكون التوازن بين نفسك ومسؤولياتك، فالنبي كان يقيم الليل لأجل الاعتناء بجانبه الروحي الإيماني ويقوي علاقته مع ربه، وكان يهتم بشؤون الناس وأحوال المسلمين وما يحتاجون، وفي ذلك كانت عناية النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالطاقات الأربع وهي: (أ) العقل: وهو جانب التعلم والتفقه وكسب المعرفة، (ب) الجسد: وهو الجانب التطبيقي والرياضي والصحي والمادي، (ج) الروح: وهي الجانب الوجداني والإيماني والخلقي، (د) العاطفة: وهي الجانب الشعوري والاجتماعي والتربوي.
(2) المهارة في التعامل مع الإنسان: قال الله تعالى:(واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين)، لذلك كان النبي متواضع مع رفاقه في غير ذلّ، ومهابًا في غير تكبّر، وهنالك أربع مهارات ينبغي أن تكون لدى القائد مع أتباعه:(الفهم والاتصال، والتأثير، وبناء العلاقات، والتحفيز).
(3) التحكم ومعرفة الرجال: لأجل التحكم لا بد أن يكون القائد ذا شخصية مؤثرة، ويكون تأثيره من خلال معرفته الجيدة برجاله، ومعرفة مفاتيحهم، ووضعهم في المكان المناسب، فالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وضع عمر وأبا بكر وعلي وعثمان وأبا عبيدة وعبد الرحمن بن عوف.. وغيرهم مستشارين له، ووضع خالدًا قائدًا عسكريًا ولقبه بسيف الله، وأرسل معاذ مبعوثًا إلى اليمن لدرايته بالحلال والحرام وقدرته على الاجتهاد، وأرسل عمرو بن العاص إلى عمان لدهائه في الإقناع، وعين أسامة بن زيد على جيش الشام لدرايته بالقيادة العسكرية.
(4) المشورة: قال تعالى:(وشاورهم في الأمر)، فالمشورة تعطي تشجيعا للأتباع وتأهلهم أن يكونوا قادة مستقبلا وتجعلهم يتحملون مسؤولية تحقيق الأهداف ورسم الرؤية، كما أنّ المشورة مناط التوكل والعزم في تحقيق الأمور، (فإذا عزمت فتوكل على الله).
(5) التزكية: وهي الطهارة من المعاصي، واتباع منهج الله وقرآنه وتعاليمه وسنة نبيه.
خاتمة:
ليست القيادة في هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مغنمًا يتمتع به القائد، ولا مقامًا للترف والتكبر، ولا موضعًا للتلذذ بعبارات الثناء والمدح؛ بل هي مسؤولية عظيمة، تبدأ من البيت وتشمل الزوجة والأولاد، وتمتد لتشمل الموظفين والطلبة، والأفراد والإداريين، بل والأمة بأسرها. إنها عملية تحريك للناس نحو تحقيق الأهداف الدنيوية والأخروية، وفق قيم الإسلام وشريعته، لا وفق أهواء البشر. ومن جوهر القيادة أن يُلبي القائد متطلبات الإنسان الأربعة: الروحية، والجسدية، والعقلية، والعاطفية؛ فهو لا يقود الأجساد فحسب، بل يقود الأرواح والعقول والقلوب.
ويتحقق ذلك كله بصفات لا بد أن يتحلى بها القائد، كالرؤية المرشدة، والتوازن، وضبط النفس، وفن التعامل، ومعرفة الرجال، واستشارة أهل الرأي والخبرة، غير أن صفةً عظيمة تميز القائد المسلم عن غيره، وتمنحه البعد الإيماني في قيادته، هي التزكية؛ تزكية النفس والسعي بها نحو الإخلاص والطهارة، إذ بها يسمو القائد ويتحقق بهديه نهج النبوة.
سامي بن محمد السيابي
كاتب عماني
(نادي فنجاء الرياضي)