الأربعاء 31 ديسمبر 2025 م - 10 رجب 1447 هـ
أخبار عاجلة

رجب التمام والإتمام «1»

الأربعاء - 31 ديسمبر 2025 01:16 م

أيها الأحباب: نعيش هذه الأيام في لحظات مباركة من شهر رجب الأصم، وهكذا تدور بنا الأيام لتأتينا بنفحات ربانية تدعونا لتجديدي العهد مع الله، وإتمام الناقص مما جنت به علينا أنفسنا من التقصير في جنب الله تعالى، فلا يخلو منا من قصّر في صلاة أو صيام أو صدقة أو نسك، وإن رجب قد جاءنا بالتمام والإتمام لكل من قصّر في عبادة ربه ـ جلَّ وعلا ـ فرجب ليس مجرد شهر في التقويم، أو أيام تأتي وتغيب، بل هو مدرسة تربوية يتخرج منها الدارسون وهم على أتم الاستعداد لاستقبال شهر رمضان الكريم، فرجب يعلّم المسلم أن الزمن أمانة، وأن العبادة لابد أن تكون تامة غير منقوصة، وهو يأتي كمحطة تموين وإمداد لمزيد من المؤن التعبدية التي يستكمل بها ما نقص، ويتقوى بها على السير بجد في باقي الرحلة التي تختتم برمضان الفياض بالنفحات الرحمانية، فرجب ـ أيها الأحباب ـ شهر من شهور الله الحرم المباركة، وهو ذو مكانة عظيمة بين الأشهر الحرم في القرآن الكريم، جعله سبحانه وتعالى من الأشهر الحرم التي فضلها سبحانه وعظمها فقال فيها:(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) (التوبة ـ 36)، قال أبو جعفر:(يقول تعالى ذكره: إن عدة شهور السنة اثنا عشر شهرًا في كتاب الله، الذي كتبَ فيه كل ما هو كائن في قضائه الذي قضى «يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم»، يقول: هذه الشهور الاثنا عشر منها أربعة أشهر حرم كانت الجاهلية تعظمهن، وتحرِّمهن، وتحرِّم القتال فيهن، حتى لو لقي الرجل منهم فيهن قاتل أبيه لم يَهِجْهُ، وهن: رجب مُضر وثلاثة متواليات، ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم. وَهِيَ الشُّهُورُ الَّتِي يَعْتَدُّ بِهَا الْمُسْلِمُونَ فِي صِيَامِهِمْ وَحَجِّهِمْ وَأَعْيَادِهِمْ وَسَائِرِ أُمُورِهِمْ، فِيهِنَّ» يَنْصَرِفُ إِلَى جَمِيعِ شُهُورِ السَّنَةِ، أَيْ: فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ بِفِعْلِ الْمَعَاصِي وَتَرْكِ الطَّاعَةِ، وَقِيلَ: «فِيهِنَّ» أَيْ: فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ. قَالَ قَتَادَةُ: الْعَمَلُ الصَّالِحُ أَعْظَمُ أَجْرًا فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، وَالظُّلْمُ فِيهِنَّ أَعْظَمُ مِنَ الظُّلْمِ فِيمَا سِوَاهُنَّ، وَإِنْ كَانَ الظُّلْمُ عَلَى كُلِّ حَالٍ عَظِيمًا، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ يُرِيدُ اسْتِحْلَالَ الْحَرَامِ وَالْغَارَةَ فِيهِنَّ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ: لَا تَجْعَلُوا حَلَالَهَا حَرَامًا، وَلَا حَرَامَهَا حَلَالًا كَفِعْلِ أَهْلِ الشِّرْكِ وَهُوَ النَّسِيءُ) (تفسير البغوي 4/‏ 44)، (وبذلك تظاهرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) (تفسير الطبري 14/‏ 234، ط: التربية والتراث). وفي هذا التحديد الإلهي معنى التمام والإحكام، إذ الزمن في الإسلام ليس عبثًا، بل هو إطار للعبادة والطاعة، وميدان للوفاء بالعهد مع الله، ورجب يأتي ليذكّر المؤمنين بالتمام في ذاته والإتمام في متعلقاته، ففيه يجتهد المؤمنون في عباداتهم وأعمالهم، ليكون علامة بارزة تدل على أتم استعدادهم لشهر رمضان المبارك. أيها الأحباب: لقد جاء ذكر الأشهر الحرم في القرآن الكريم مقرونًا بالتحذير من الظلم فيها:(فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ) (التوبة ـ 36)، ورجب أحد هذه الأشهر الأربعة، وهو الشهر الفرد بينها، إذ يأتي منفردًا بين جمادى وشعبان. وقد اعتنى العرب به قبل الإسلام، وفي الإسلام بل اجتهد المسلوم في هذا الشهر الفضيل من بداية الإسلام، ففي ‌رجب سنة خمس من البعثة هاجر أول فوج من مكة إلى الحبشة مكوناً من اثنا عشر رجلًا وأربع نسوة، كان يرأسهم عثمان بن عفان، ومعه زوجه الطاهرة رقية بنت صاحب الرسالة، وفي هذه الهجرة يقول ـ صلى الله عليه وسلم: «إنها أول بيت هاجر في سبيل الله بعد إبراهيم ولوط ـ عليهما السلام»، وخرج الفوج من مكة ليلاً حتى لا تشعر بهم قريش فتحول بينهم وبين الخروج) (سماحة الإسلام في الدعوة إلى الله، ص 127).. وللحديث بقية.

د.محمود عدلي الشريف 

 [email protected]