يأتي شهر رمضان هذا العام والأُمَّة الإسلاميَّة تمرُّ في مرحلة غاية في الصعوبة والدقَّة. فما يحدُث في الأراضي الفلسطينيَّة وغيرها من الأقطار العربيَّة والإسلاميَّة من ظروفٍ استثنائيَّة تجعلنا نرجُو من المولى عزَّ وجلَّ أنْ يفيضَ عَلَيْنا من بركات هذا الشَّهر الفضيل المُتعدِّدة، حيث نتقلَّب في شهر رمضان المبارك بَيْنَ نِعَم الله الَّتي لا تُعَدُّ ولا تُحصَى بركاته. ففريضة الصَّوم، الَّتي فرضَها الله عزَّ وجلَّ في رمضان، تتميَّز عن كافَّة الفرائض الأخرى، فعَنْ رسول الله صلَّى الله عَلَيْه وسلَّم: (قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ).
وتتنوَّع فضائل شهر رمضان بَيْنَ فضائل إيمانيَّة، حيث تُفتح فيه أبواب الجَنَّة وتُغلق فيه أبواب النَّار، فأبواب الجَنَّة تُفتح تنشيطًا للعاملين القانطين العابدين من المؤمنين؛ لِيتسنَّى لَهُمُ الدخول إلى جَنَّة الخُلد، وتُغلق أبواب النَّار لأجْلِ انكفاف أهل الإيمان عن المعاصي حتَّى لا يلجوا هذه الأبواب. فشهر رمضان المبارك تُفتح فيه الأبواب كُلُّها بَيْنَ العبدِ وربِّه؛ أبواب السَّماء مفتَّحة لقَبول العمل، وأبواب الجَنَّة مفتَّحة لِتَبشيرِ المؤمنين، وأبواب الرَّحمة مفتَّحة لِتَشملَ الطائعين والعاصين. كما أنَّه شهر المغفرة بامتياز؛ كونه موسمًا مفتوحًا لعموم المغفرة، فإنَّ أسباب المغفرة فيه متوافرة كثيرة أكثر من غيره من شهور العام، كما أنَّه تُضاعف فيه الحسنات، فالعمل فيه ليس كالعمل في غيره، فحُقَّ أنْ يُسمَّى شهرًا مباركًا.
وبجانب هذ الفوائد والنَّفحات والبركات الإيمانيَّة الَّتي يزخَر بها شهرُ رمضان الفضيل، أضحى لدى المُجتمع العربيِّ الإسلاميِّ عادات وتقاليد دينيَّة واجتماعيَّة خاصَّة بهذا الشَّهر، الَّذي باتَ يجمع الأُسرة والعائلات الكبرى، في وقتٍ عزَّ فيه هذا الجمع طوال العام، فتكُونُ بركة رمضان فرصةً كبيرةً لِتَعزيزِ أواصر التَّقارب الأُسريِّ، ونُثاب على ذلك دينيًّا كونه إحدى أهمِّ خطوات صِلَة الأرحام الَّتي يُثاب عَلَيْها العبدُ المؤمن، كما أنَّ شهر رمضان يحرص فيه المُسلِمون على العناية بالفقراء وتتعاظَمُ فيه مظاهر الخير الاجتماعيِّ، الَّتي جُبِل عَلَيْها الإنسان العربيُّ والمُسلِم.
إنَّ أبواب الخير، الكثيرة في شهر رمضان الفضيل، تفرض عَلَيْنا أنْ نتذكَّرَ إخواننا في غزَّة وباقي الأراضي الفلسطينيَّة، بالدُّعاء والخير، والعمل بشكلٍ عاجلٍ غير آجلٍ، على وقف هذا العدوان الإرهابي الَّذي يشنُّه كيان الاحتلال الصهيونيِّ المُجرِم، بكُلِّ ما نملكُ من قدرة، وأنْ نظلَّ حريصين في هذا الشَّهر، الَّذي تتعاظَم فيه الحسنات، على التمسُّك بمقاطعة كُلِّ مَن يُشارك في قتلِ عربيٍّ أو مُسلِم، أو يُقدِّم الدَّعم والمسانَدة لِتَحقيقِ ذلك. فالتجارب طوال الشهور الأربعة الأخيرة تؤكِّد أنَّنا بِتْنا نمتلك القدرة على التَّغيير إذا أصرَرْنا على مقاطعة مَن يؤذينا، وكُلُّ عام وجلالة السُّلطان المُعظَّم والشَّعب العُمانيُّ، وكافَّة الشعوب العربيَّة والإسلاميَّة، بخيرٍ ويُمنٍ وبركات.