نعي جميعًا أنَّه أحيانًا يتسلل الألم إلى حياتنا بهدوء. ورُبَّما لا يظهر فجأة، بل هكذا يظهر تدريجيًّا كألَم في الظهر صباحًا، وركبة تؤلم بعد المشي لمسافات معيَّنة. وعندما يبلغ الكثيرون عمرًا معيَّنًا، خصوصًا ما بعد الأربعين، سنلاحظ أحيانًا بأنَّ ذلك الألَم لم يَعُدْ زائرًا، بل ـ وللأسف ـ يضحى رفيقًا مألوفًا. وهنا تنشأ عادة أخرى، ألا وهي اللجوء إلى المسكّنات. لقد رأينا كيف أنَّ مرضى يتناولون حبَّة في الصباح، وأخرى في المساء، ومرَّات عدَّة من غير تفكير. حقيقة ما أوَدُّ أن نتداركه هنا، بأنَّه في تلك اللحظة صحيح يخفُّ الألَم، لكن في مرَّات كثيرة يتبعه ثَمَن آخر خفي يسهل تجاهله!
بطبيعة الحال، تُعَدُّ مسكِّنات الألَم من أكثر الأدوية استخدامًا على مستوى العالم. حتَّى أنَّنا ننظر إليها بأنَّها أدوية غير ضارَّة، خصوصًا عندما تكُونُ متاحة بِدُونِ وصفة طبيَّة. ومع ذلك، كشفت الأبحاث الطبيَّة أنَّه على الرغم من فعاليَّتها، ليست بريئة من مضاعفات معيَّنة، لا سِيَّما مع تقدُّم العمر. كيف لا؟ ومع تقدُّم الإنسان بالعمر يدخل مرحلة من التغيُّرات الفسيولوجيَّة في الكبد والكُلى والقلب ـ على سبيل المثال ـ، وعليه ما كان يُعَدُّ آمِنًا في السابق قد يتحول مع الوقت إلى خطر.
وعند التطرق إلى هذه الأدوية، يَجِبُ أن نتحدثَ عن مضادَّات الالتهاب غير الستيرويديَّة، المعروفة لدَيْنا جميعًا والَّتي تساعد في تسكين آلام المفاصل والعضلات مثلًا. طبعًا هذه الأدوية تخفِّف الالتهاب وتمكِّن الأشخاص من الحفاظ على نشاطهم، ولكن حقيقة مُشْكلتها مع استخدامها على المدى الطويل والَّذي يرتبط أحيانًا بقرحة المَعدة والنزيف الداخلي، وإصابات الكُلى، وزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب. بلا شك، هنالك دراسات عدَّة أكَّدت أنَّ احتماليَّة حدوث هذه المضاعفات تزداد مع التقدُّم في السِّن، وخصوصًا لدى الأشخاص الَّذين يعانون من ارتفاع ضغط الدَّم، أو داء السكري، أو حتَّى أمراض القلب.
ولعلِّي هنا لستُ بصدد التقليل من فوائد هذه الأدوية وأخواتها الأخريات من مسكِّنات الألَم أو المخدِّرة، ولكن أرى أنَّه من أكثر المشاكل الَّتي أصبح يُستهان بها هو تراكم هذه الأدوية في أجسادنا. فمع تقدُّم العمر، يزداد احتمال تناول أدوية لضغط الدَّم، والكوليسترول، والسكري. وهنا تزيد مسكِّنات الألَم المضافة إلى هذه الأدوية من احتماليَّة حدوث تفاعلات دوائيَّة وآثار جانبيَّة. ألا نلاحظ أحيانًا أنَّ أفرادًا يصبح جسمهم أقلّ قدرة على التحمُّل، وما كان يمرُّ دُونَ ملاحظة قد يظهر الآن لهم على شكل إرهاق أو دوار. وإن استطعت القول هنا، سنشاهد أفرادًا يعانون من تغيُّرات إدراكيَّة طفيفة تُعزى بشكلٍ خاطئ على أنَّها التقدم في السِّن، بَيْنَما هي قد تكُونُ جزءًا من ذلك التراكم الدوائي!
إذن، السؤال هنا ليس ما إذا كان للمسكِّنات دَوْر في علاج الألَم، فهي ضروريَّة بلا شك، بل كيفيَّة استخدامها بحكمة! وأكيد بالنسبة لمن يحتاجون إلى الدواء، فإنَّ المبدأ بسيط إن استطعت إيصال الرسالة هنا: أقلّ جرعة فعَّالة، ولأقصر مدَّة ممكنة مع مراجعة الطبيب بشكلٍ مستمر. أوَلَا نعي أنَّه ما كان مناسبا في الثلاثين قد لا يكُونُ مناسبًا في الخمسين؟
ختامًا، لا يعني تقدُّمنا بالسِّن الاستسلام للألَم، وأيضًا لا يعني تخديره بأيِّ ثَمَن. بل بالحقيقة معناه الحقيقي أن نتعلم كيفيَّة أن نوازن بَيْنَ تخفيف الألَم وبَيْنَ الراحة والحذر.
د. يوسف بن علي الملَّا
طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي