يُمثِّل قِطاع المؤسَّسات الصغيرة والمتوسطة أحد الأعمدة الأساسيَّة لأيِّ اقتصاد يسعى إلى التنويع وبناء قاعدة إنتاجيَّة واسعة؛ لِمَا يحمله من قدرة على توليد فرص العمل، وتحريك سلاسل الإمداد، وخلق قِيمة مضافة تتوزع على مساحات أوسع من المُجتمع، ويكتسب هذا القِطاع أهميَّة مضاعفة في الاقتصاد الوطني بوصفه ركيزةً محوريَّة ضِمن مسار التحوُّل الاقتصادي، ورافعة عمليَّة لدعم النُّمو المستدام وتعزيز المشاركة الاقتصاديَّة.
ويأتي إطلاق الخطَّة التنفيذيَّة لقِطاع المؤسَّسات الصغيرة والمتوسطة للفترة (2026–2030) باعتباره خطوة تنظيميَّة تستهدف ترسيخ دَوْر هذا القِطاع داخل بنية الاقتصاد الوطني، والانتقال به من الحضور الكمِّي إلى التأثير النَّوعي؛ فالمعادلة هنا لا ترتبط بعدد المشاريع المسجَّلة أو حجم المبادرات المُعلَنة، وإنَّما بقدرة هذه المؤسَّسات على الاندماج داخل السوق، والمساهمة الفعليَّة في الناتج المحلِّي، وبناء نماذج أعمال قابلة للاستمرار، وهو ما يعكس إدراكًا بأنَّ المؤسَّسات الصغيرة والمتوسطة تُمثِّل قاعدة الاقتصاد المنتج، وأنَّ تمكينها على أُسُس واضحة ومنضبطة يُشكِّل مسارًا ضروريًّا لتحقيقِ مستهدفات رؤية «عُمان 2040» الَّتي تضع التنويع والقِيمة المضافة في صميم الرؤية التنمويَّة.
يظلُّ النفاذ إلى الأسواق وسلاسل القِيمة التحدِّي الأكثر تأثيرًا في مسار المؤسَّسات الصغيرة والمتوسطة، حيثُ تتحدد فرص النُّمو عند هذه النقطة تحديدًا، لا عند بوَّابة التأسيس أو التسجيل. فامتلاك مشروع قائم أو منتج محلِّي لا يعني بالضرورة امتلاك فرصة عادلة للدخول إلى السوق، إذ تتحكم سلاسل التوريد، والمشتريات الكبرى، ومعايير التعاقد في رسم حدود المشاركة الفعليَّة.. من هنا تكتسب الخطَّة التنفيذيَّة أهميَّتها عندما تتعامل مع السوق بوصفه منظومة متكاملة، تتطلب إعادة ضبط العلاقة بَيْنَ المؤسَّسات الصغيرة والمتوسطة والجهات الكبرى، الحكوميَّة والخاصَّة، على أُسُس توازن المصالح وتكافؤ الفرص. فالرِّهان الحقيقي يتمثل في تحويل المحتوى المحلِّي من شعار إلى ممارسة، ومن بند تنظيمي إلى مسار اقتصادي قابل للقياس، يفتح المجال أمام هذه المؤسَّسات للاندماج داخل سلاسل الإنتاج والتوريد، والمشاركة في القِيمة المضافة، وعدم الاكتفاء بِدَوْر هامشي.
لعلَّ التحدِّي الأكثر حساسيَّة في مسار المؤسَّسات الصغيرة والمتوسطة يرتبط بكيفيَّة توظيف التمويل، وبناء ثقافة ريادة أعمال قادرة على تحويل المشاريع إلى شركات قابلة للنُّمو والتوسُّع؛ فالتمويل حين ينفصل عن الحوكمة وبناء القدرات، يتحوَّل إلى عبء مؤجَّل لا إلى أداة تمكين حقيقيَّة، وتصبح السيولة هدفًا قائمًا بذاته بدلَ أنْ تكُونَ وسيلة لرفعِ الكفاءة وتعزيز الإنتاج.. ومن هنا تبرز أهميَّة الخطَّة التنفيذيَّة عندما تنظر إلى التمويل بوصفه جزءًا من منظومة متكاملة تشمل المهارات الإداريَّة، والانضباط المالي، وفَهْم السوق، والاستعداد للتوسُّع والتصدير، كما يكتسب مفهوم ريادة الأعمال هنا بُعدًا عمليًّا يتجاوز فكرة المبادرات السريعة أو الحاضنات الشكليَّة، لِيرتبطَ ببناء عقليَّة تجاريَّة واعية قادرة على قراءة المخاطر واتِّخاذ القرار وتحمُّل كلفته. ويتطلب نجاح هذا المسار ربط الدَّعم المالي بمؤشِّرات أداء واضحة، وتشجيع الانتقال من المشاريع الصغيرة إلى شركات متوسطة أكثر نضجًا، بما يُعزِّز فرص الاستدامة ويمنح الاقتصاد الوطني قاعدة أعمال أكثر صلابة وقدرة على المنافسة.
إنَّ الخطَّة التنفيذيَّة لقِطاع المؤسَّسات الصغيرة والمتوسطة للفترة (2026–2030) تضع القِطاع أمام اختبار يتجاوز حُسن الصياغة إلى صلابة التطبيق واستدامة الأثر، فقِيمة الخطط الاقتصاديَّة تُقاس بقدرتها على إحداث تغيير فعلي داخل السوق، وبناء شركات قادرة على خلق فرص عمل نوعيَّة، ورفع القِيمة المضافة، وتعزيز تنافسيَّة الاقتصاد الوطني. ويتجلَّى قِطاع المؤسَّسات الصغيرة والمتوسطة بوصفه قاعدة الاقتصاد المنتج، عندما يُدار بمنطق الكفاءة والانضباط وتكافؤ الفرص، لا بمنطق الاستثناءات؛ فنجاح الخطَّة يرتبط بقدرتها على خلق بيئة أعمال واضحة القواعد، تكافئ الأداء، وتدفع نَحْوَ نُمو طبيعي، وتُعِيد توجيه الموارد نَحْوَ الشركات القادرة على التوسُّع والاستمرار، وعند هذه النقطة يتحول هذا القِطاع إلى شريك حقيقي في مسار التنمية، ويغدو تنفيذ الخطَّة مؤشِّرا مباشرًا على جديَّة الانتقال نَحْوَ نموذج اقتصادي أكثر نضجًا، ينسجم مع مستهدفات رؤية «عُمان 2040» ويترجمها إلى نتائج ملموسة داخل الاقتصاد الحقيقي.