تُمثِّل التَّوجيهات السَّامية لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ في لقائه بقصر البركة العامر، برئيس وأعضاء مكتب مجلس الدَّولة في الثاني والعشرين من أغسطس 2025م، خريطة طريق وبرنامجَ عملٍ وطنيًّ شاملًا لمجلس الدَّولة، وكافَّة مؤسَّسات الدَّولة ومنظوماتها بلا استثناء، في تأكيد جلالته على أهميَّة التفاعل مع قضايا المُجتمع والتحديات القائمة، وإيصال الرسائل الصحيحة والمناسبة حَوْلَ القضايا المطروحة في وسائل الإعلام ومنصَّات التواصل الاجتماعي، وتوضيح الجهود المبذولة وما تحقق من منجزات ومكتسبات على المستوى الوطني، ورفع مستوى الوعي المُجتمعي، إلى جانب اعتماد آليَّات تنفيذيَّة فاعلة تُحوِّل المقترحات إلى خطوات عمليَّة تعالج قضايا المُجتمع، وتُعزِّز تكامل مؤسَّسات الدَّولة بما يضمن استدامة التنمية وصون المكتسبات؛ وهي بلا شك، في إطار مجلس الدَّولة، وسامُ استحقاقٍ وثقةٌ سامية يضعها المجلس في قالب تشريعي وحوكمتها في إطار تنظيمي مؤسَّسي، من خلال تطوير جودة الدراسات والتشريعات، وربط المنتج التشريعي باحتياجات التنمية الفعليَّة، بما ينعكس مباشرة على حياة المواطن.
ويأتي هذا التَّوجيه السَّامي في ظل استشعار جلالته ـ حفظه الله ـ لما تتطلبه هذه المرحلة، في ظل تداخل الكثير من المتغيرات والمؤثرات الداخليَّة والخارجيَّة، وضرورة رفع درجة الاستفادة من الفرص المتحققة من التكامل النوعي والتفاعل المؤسَّسي، وتعزيز الوعي المُجتمعي، وترسيخ الشراكة الحقيقيَّة بَيْنَ مختلف المنظومات الوطنيَّة. نظرًا إلى أنَّ تجاهل هذه القضايا، أو عدم الإجابة عن التساؤلات الَّتي يفرضها الواقع، أو وجود حلقة مفرغة في الحصول على ما يروي ظمأ المواطن الفكري والمعرفي حَوْلَها، أو يُبصِّر المُجتمع بالجهد الوطني والمؤسَّسي القائم على أرض الواقع، ستكُونُ له تداعيات سلبيَّة على الثقة المُجتمعيَّة، وعلى الصورة الذهنيَّة الَّتي قد يُسقِطها المواطن على هذا الجهد المؤسَّسي، ما لم تلتزم جميع مؤسَّسات الدَّولة بواجباتها، ويَقُوم أفراد المُجتمع ومنظوماته الأُسريَّة والتعليميَّة والإعلاميَّة والدِّينيَّة بِدَوْر محوري في توضيح صورة العمل الوطني والجهد المبذول والحقائق الماثلة.
ومن هنا جاء تأكيد جلالة السُّلطان على أهميَّة هذا التفاعل، ترسيخًا للثقة المُجتمعيَّة وتعزيزًا للوعي الجمعي، الأمر الَّذي سينعكس إيجابًا على قدرة المؤسَّسات على طرح أجندتها بكُلِّ سهولة وسلاسة، بحيثُ تجد صدى إيجابيًّا واهتمامًا وتفاعلًا من المُجتمع الوظيفي والمُجتمع عامَّة، باعتبارها قائمة على خطوط واضحة من الشراكة والتواصل، والتزام منهج يعتمد على الاستفادة من الآخر بوصفه شريكًا في المسؤوليَّة، حيثُ يستدعي هذا التفاعل المؤسَّسي مع قضايا المُجتمع والشَّباب، وبخاصَّة قضايا الباحثين عن عمل، والمسرَّحِين من القِطاع الخاص، واستدامة الوظائف، التزامًا مؤسَّسيًّا نابعًا من قناعة حقيقيَّة بأهميَّة معالجة هذه القضايا، كُلٌّ في مجال اختصاصه، وبحسب طبيعة المهمَّة والاختصاصات المنوطة به. كما يتطلب استشعار الحضور المؤسَّسي مع الشركاء في توضيح الصورة، والاتفاق على نقاط التقاء واضحة يُمكِن البناء عليها في تقريب هذه القضايا للمواطن، أو التفكير الجمعي في إيجاد حلول وبدائل تتيح للمُجتمع فرص تقديم مرئيَّاته، والاستفادة من المنصَّات التواصليَّة والحواريَّة، ومنها منصَّة «معًا نتقدم»، في الحصول على التغذية الراجعة.
وفي الوقت نفسه، يستدعي استحضار هذه القضايا المُجتمعيَّة والتحدِّيات القائمة تحوُّلًا في أساليب العمل، وآليَّات الطرح، ومنهجيَّة الأداء، وثقافة المؤسَّسة، واستراتيجيَّات التطوير، وبنية الإعلام المؤسَّسي الَّتي ينبغي أن تبرز التوازنات بَيْنَ الشفافيَّة، والحكمة في الطرح، والمسؤوليَّة الوطنيَّة عِندَ تناول هذه القضايا بما يُعزِّز مصداقيَّة الخِطاب الرَّسمي والثقة المُجتمعيَّة، وترجيح معادلة التوازن بَيْنَ الاستفادة من مُقوِّمات التكامل، والمحافظة على خصوصيَّة المهام بما لا يفقدها حضورها ومكانتها؛ إذ من شأن هذه الشفافيَّة الاستباقيَّة، وشرح السياسات والقرارات بلُغة واضحة، وإبراز المنجزات بواقعيَّة، أن يعزز الاستفادة من وجهات النظر والأفكار الَّتي تطرحها الجهات الأخرى، في سبيل حوكمة العمل وتجويده وتقليل الهدر الناتج عنه، من خلال لُغة جامعة تؤسِّس لمزيدٍ من التعايش الفكري المؤسَّسي، وتبرز عمق الحوار والتنسيق المشترك، بما يولد توأمة في العمل المؤسَّسي، ويخلق فرصًا كبيرة لتحقيق الإنجاز، والوصول إلى رؤية واضحة تحفظ حق الجميع في المشاركة، وتبرز حضورهم ودَوْرهم في تحقيق الأهداف، بما يُعزِّز مصداقيَّة الخِطاب الرَّسمي وثقة المُجتمع.
وبالتَّالي، فإنَّ التزام المؤسَّسات بهذه الشراكة التفاعليَّة التواصليَّة الحواريَّة يؤسِّس لمرحلة متقدِّمة من إنتاج الثقة الَّتي يمنحها المواطن لمؤسَّسات الدَّولة في استيعابها لمتطلبات المرحلة واحتياجاته، الأمر الَّذي سيكُونُ له أثره الإيجابي في قناعاته تجاه ما تتخذه من توجُّهات، أو ما تتفاعل معه من سياسات، أو ما تعمل على تحقيقه من استراتيجيَّات وبرامج. وهو ما يَضْمن مشاركة المواطن بقوَّة في دعم هذه المنظومة عَبْرَ أطروحاته ومبادراته وأفكاره، وما يقدِّمه من منتج معرفي وفكري داعم للعمل المؤسَّسي المتكامل، وزيادة فرص الشراكة، وحلحلة بعض التحدِّيات، فإنَّ نقل التكامليَّة إلى الواقع يستدعي اليوم شعورًا أقوى بالعمل معًا والاندماج في التعامل مع التحدِّيات الحاليَّة وجلْد الذَّات والوقوف على الفرص وتشخيص الواقع وتصحيح المسار وتوحيد مفاهيم العمل وضبط مسارات الأداء، فتتحول التكامليَّة من التنظير إلى التطبيق ومن الشعارات إلى بناء نماذج عمل مشتركة.
على أنَّ تأكيد جلالته على أهميَّة تعظيم دَوْر وسائل الإعلام ومنصَّات التواصل الاجتماعي في التفاعل مع قضايا المُجتمع والتحدِّيات القائمة، وإيصال الرسائل الصحيحة والمناسبة حَوْلَ القضايا المطروحة والجهود المبذولة والمنجزات والمكتسبات الوطنيَّة، ورفع مستوى الوعي المُجتمعي يأتي إيمانًا من جلالته بما يُمثِّله الإعلام ومنصَّات التواصل الاجتماعي اليوم من دَوْر محوري في تعزيز الثقة المُجتمعيَّة، الأمر الَّذي يضع المجلس أمام مسؤوليَّة تعزيز بنية خِطابه الإعلامي ومنصَّاته التواصليَّة، إذ إنَّ نجاح الخِطاب الإعلامي في ذلك مرهون بمستوى التوافق والتناغم بَيْنَ المعبِّرين عن الرسالة الإعلاميَّة في المؤسَّسات أو المتحدِّثين باِسْمِها، وقدرتهم على إيصال رؤية الدَّولة ورسالتها بصورة صحيحة ومناسبة، عَبْرَ إعادة إنتاج الخِطاب الإعلامي وبناء معززات الثقة، ورفع كفاءته التأثيريَّة في قناعات المواطن، وتوجيه الرأي العام نَحْوَ الإنجاز الوطني والمساهمة فيه، بما يُعزِّز التحوُّل الإيجابي في القناعات والسلوكيَّات؛ وفي الوقت نفسه تعظيم استثمار وسائل الإعلام ومنصَّات التواصل الاجتماعي في شراكات تفاعليَّة مع المواطن، وصناعة نموذج مؤسَّسي يستجيب لتطلُّعات المُجتمع ويستفيد من مرئيَّاته، ويحاكي في كفاءته تطلُّعات الشَّباب واهتماماتهم، وتصبح المنصَّات التواصليَّة بهذا المعني أسلوب في الإدارة والتطوير يسهم في تحقيق معايير الحوكمة القائمة على توظيف مرئيات المُجتمع ومشاركته في تحقيق رسالة المؤسَّسة وأهدافها وتقييم نواتج أدائها.
وبالتَّالي مسارات الاحتواء الَّتي يصنعها الخِطاب الإعلامي في وسائله ومنصَّاته لاحتواء الخبرات والأفكار والتجارب الوطنيَّة، وضمان الاستفادة منها في البناء المؤسَّسي وربطها بالواقع الاجتماعي الَّذي يعيشه المواطن، وتقليص فجوة الثقة، وتحويل المواطن من متلقٍّ سلبي إلى شريك فاعل في مَسيرة العمل الوطني، في الوقت الَّذي يتَّجه فيه خِطاب المواطن وردود أفعاله عَبْرَ المنصَّات إلى خِطاب رشيد، وتحليل موضوعي وطرح لائق قائم على المصداقيَّة، والتحقق من المصادر، والمشاركة الإيجابيَّة الَّتي تسهم في بناء الوطن؛ فإنَّ فرص التأثير والاحتواء الَّذي يصنعه الخِطاب الإعلامي المتكامل والمؤثِّر في حياة المواطن منطلق لقبوله والاعتراف بأهميَّته في حياته في مواجهة الإشاعات والصورة غير المنضبطة الَّتي يطرحها الإعلام الارتجالي.
إنَّ ما يحمله التَّوجيه السَّامي من رسائل جوهريَّة وأجندة عمل مؤسَّسيَّة رصينة تُعزِّز من خيار الجاهزيَّة والاحتواء والشفافيَّة والموضوعيَّة والرصانة الفكريَّة والتأثير والإقناع والتوازن والإيجابيَّة وصناعة المحتوى النوعي المتفاعل مع الاحتياج، عَبْرَ إعلام مؤسَّسي شفَّاف ومتوازن ومسؤول ورقابي، يستحضر مشاعر المواطن ويجيب باحترافيَّة ومهنيَّة ومسؤوليَّة على التساؤلات الَّتي يطرحها المواطن في واقعه بحياديَّة ومهنيَّة، كمدخل استراتيجي لإعادة هندسة التغيير ورسم خريطة إنجاز قادمة تضع مؤسَّسات الدَّولة ومنظوماتها أمام مسؤوليَّة تحقيق هذه التناغميَّة والتآلفيَّة والتكامليَّة والانطلاقة منها وتجديدها وحفزها وصقلها بالممكنات النفسيَّة والفكريَّة تستمتع بالاستماع للمواطن، ومواكبة همومه، وتحويل التحدِّيات إلى فرص عَبْرَ سياسات واقعيَّة ومسؤولة تستند إلى الحوار والشراكة، ترسيخا للثقة وتأصيلًا للحوار المشترك في سبيل بناء منظومة أداء وطنيَّة تتكامل في سُلطاتها التشريعيَّة التنفيذيَّة والقضائيَّة، تصنع الإلهام وتحفظ الحقوق، وتُحقق العدالة.
د.رجب بن علي العويسي