السبت 27 ديسمبر 2025 م - 6 رجب 1447 هـ
أخبار عاجلة

في الحدث : تطلعات لعام جديد مزدهر اقتصاديا وبلا فيروسات

في الحدث : تطلعات لعام جديد مزدهر اقتصاديا وبلا فيروسات
السبت - 27 ديسمبر 2025 08:30 ص

طارق أشقر

20


عِندَ اقتراب حلول عام جديد في كُلِّ مرَّة يتطلع قِطاع عريض من المتفائلين بالحياة في مختلف أنحاء العالم إلى حلول عام يعمُّه السلام والأمن والاستقرار، وقَبول الآخر بلا استثناء.

ظلَّ ذلك الحلم متواترًا عِندَ نهاية كُلِّ عام وقَبل بدء العام الجديد، فهي حالة من الأمل أصبحت متلازمة للجميع دون التقيد بجغرافيَّة المكان طالما تلكم الجغرافيَّات تَدُوْر في فلك الزمن ودَوْران الأيَّام، بل هي حلم مشروع أينما وجدت النفْس البشريَّة الَّتي هي بفطرتها السويَّة تواقة للسلام.

لكن وكما يبدو من خلال قراءة واقع الإنسان في عديد مناطق النزاع بأنَّ أيادي الإنسان لم تستطع التعرف على بعضها البعض للتلاقي والمصافحة من أجل أن يتحقق (السلم العالمي) أو لرُبَّما انفصلت أصابع (الوسطى) عن إشارات الدماغ الإنسانيَّة فظلت ملتصقة بالزناد في مناطق الحروب على وجه التحديد، وليس تعميمًا، في حين أنَّ مناطق الصراع أصبحت تحتل مساحات كبرى ومتسعة بالعالم، ويزيد من سوئها وكبر حجمها عدد مَن يفقدون حياتهم وإنسانيَّتهم. وبالنتيجة تراجعت الطموحات الإنسانيَّة في أن تحقق الأعوام الجديدة السلم العالمي، لذلك ومع دنو دخول العام الجديد 2026 بعد ساعات قليلة حري بأولئك الَّذين كانوا متفائلين بحلول السلام العالمي بأن يتطلعوا لبزوغ عام جديد يعمُّه الازدهار الاقتصادي وبِدُونِ فيروسات، وذلك على عشم أن يَقُود الازدهار الاقتصادي إلى السلام الَّذي هو في الأصل فطرة بشريَّة سويَّة تأصلت لدى كُلِّ مَن تتوق نفسه إلى الطمأنينة وتكره الفوضى والاقتتال الَّذي لم يَعُد استثناءً عابرًا للخريطة الدوليَّة.

قد يظن البعض أنَّ مجرَّد التطلع إلى ازدهار اقتصادي قَبل إرساء دعائم السلام العالمي يُعَدُّ ضربًا من ضروب اللامنطق، غير أنَّ تراجع الطموحات الكبرى الَّتي راهنت طويلًا على «السلام العالمي»، يكُونُ اللجوء إلى التمسك بمفهوم «الصيرورة» كدلالة فكريَّة وفلسفيَّة تستخدم للتدليل على أنَّ واقع الحياة ليس حالة جامدة، بل مسار متحرِّك يتأثر بالزمن والظروف، تجعل من حلم إسهام الازدهار الاقتصادي في تحقيق السلام كنتيجة أكثر قابليَّة للتحقق، وذلك باعتبار أنَّ الاقتصاد بخلاف سياسة يمتلك أدوات براغماتيَّة تتجاوز الخلافات الأيديولوجيَّة، وذلك في ظل أهميَّة التمسك بالتطلع الإنساني لحياة أفضل كيفما كانت الظروف.

فالدول المتنازعة وفْقَ تلك البراغماتيَّة قد تختلف في المواقف السياسيَّة، لكنَّها تتلاقى في المصالح حيثُ إنَّ الأسواق كثيرًا ما تنجح فيما تفشل فيه طاولات التفاوض، في حين أنَّ الازدهار الاقتصادي لا يتطلب توافقًا أخلاقيًّا كاملًا، بل يتطلب الحد الأدنى من الاستقرار وحوكمة رشيدة واستثمارًا في الإنسان والإنتاج. أمَّا الأمل بخلو ذلك الازدهار من الفيروسات فهو حلم رُبَّما تكُونُ حدَّة مرحلة جائحة كورونا قد أسهمت في تشكيل وعي البشريَّة تجاه مختلف أنواع الفيروسات، سواء كانت تلكم الَّتي تصيب جسد الإنسان أو الَّتي تصيب البرمجيَّات الَّتي تُدير الاقتصادات العالميَّة؛ إذ كشفت الجائحة عن هشاشة النظام الصحي العالمي، وأظهرت أنَّ الأمن الصحِّي لا يقلُّ أهميَّة عن الأمن الاقتصادي والعسكري، وأنَّ هدف تحقيقه لا يستلزم إلغاء المخاطر البيولوجيَّة، بل يتطلب أنظمة إنذار مبكر وتعاونًا علميًّا شفافًا، فضلًا عن ضرورة استدامة الاستثمار في البحوث الطبيَّة والتكنولوجيَّة بعيدًا عن التسييس والاحتكار.

وعليه، فإنَّ منطقيَّة هذا النَّوع من الأحلام لا يَقُوم على التفاؤل الساذج، بل على إعادة تعريف الممكن؛ لأنَّه إذا كان السلام الشامل رهينًا بتعقيدات التاريخ والسياسة فإنَّ الازدهار الاقتصادي والأمن الصحِّي يُمثِّلان أرضيَّة مشتركة يُمكِن للبشريَّة أن تلتقيَ عِندَها ولو مؤقتًا، فكُلُّ ما علينا حاليًّا هو أن نتمنَّى للجميع عامًا جديدًا مزدهرًا بلا فيروسات واقتصاد أكثر عدالة واستدامة، رغم أنَّ هذا التمنِّي قد لا ينهي الحروب، لكنَّه يمنح الإنسان سببًا إضافيًّا للتمسك بالحياة ولرُبَّما يُمهِّد الطريق على المدى البعيد لسلام عالمي طال انتظاره.

طارق أشقر

[email protected]

من أسرة تحرير «الوطن»